فصل: فَصْلٌ فِي الْمَشِيئَةِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح القدير للعاجز الفقير



.فَصْلٌ فِي الْمَشِيئَةِ:

(وَمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: طَلِّقِي نَفْسَك وَلَا نِيَّةَ لَهُ أَوْ نَوَى وَاحِدَةً فَقَالَتْ: طَلَّقْت نَفْسِي فَهِيَ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ، وَإِنْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا وَقَدْ أَرَادَ الزَّوْجُ ذَلِكَ وَقَعْنَ عَلَيْهَا) وَهَذَا لِأَنَّ قولهُ طَلِّقِي مَعْنَاهُ افْعَلِي فِعْلَ التَّطْلِيقِ، وَهُوَ اسْمُ جِنْسٍ فَيَقَعُ عَلَى الْأَدْنَى مَعَ احْتِمَالِ الْكُلِّ كَسَائِرِ أَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ، فَلِهَذَا تَعْمَلُ فِيهِ نِيَّةُ الثَّلَاثِ، وَيَنْصَرِفُ إلَى وَاحِدَةٍ عِنْدَ عَدَمِهَا وَتَكُونُ الْوَاحِدَةُ رَجْعِيَّةً لِأَنَّ الْمُفَوَّضَ إلَيْهَا صَرِيحُ الطَّلَاقِ، وَلَوْ نَوَى الثِّنْتَيْنِ لَا تَصِحُّ لِأَنَّهُ نِيَّةُ الْعَدَدِ إلَّا إذَا كَانَتْ الْمَنْكُوحَةُ أَمَةً لِأَنَّهُ جِنْسٌ فِي حَقِّهَا.
الشَّرْحُ:
(فَصْلٌ فِي الْمَشِيئَةِ).
قولهُ: (وَمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: طَلِّقِي نَفْسَك وَلَا نِيَّةَ لَهُ أَوْ نَوَى وَاحِدَةً فَقَالَتْ: طَلَّقْت نَفْسِي فَهِيَ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ وَإِنْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا وَقَدْ أَرَادَ الزَّوْجُ ذَلِكَ وَقَعْنَ عَلَيْهَا) سَوَاءٌ أَوْقَعَتْهَا بِلَفْظٍ وَاحِدٍ أَوْ مُتَفَرِّقًا وَإِنَّمَا صَحَّ إرَادَةُ الثَّلَاثِ (لِأَنَّ قولهُ طَلِّقِي نَفْسَك مَعْنَاهُ افْعَلِي فِعْلَ التَّطْلِيقِ) فَهُوَ مَذْكُورٌ لُغَةً لِأَنَّهُ جُزْءُ مَعْنَى اللَّفْظِ فَصَحَّ نِيَّةُ الْعُمُومِ غَيْرَ أَنَّ الْعُمُومَ فِي حَقِّ الْأَمَةِ ثِنْتَانِ وَفِي حَقِّ الْحُرَّةِ ثَلَاثٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ.

متن الهداية:
(وَإِنْ قَالَ لَهَا: طَلِّقِي نَفْسَك قَالَتْ: أَبَنْت نَفْسِي طَلَقْت) وَلَوْ قَالَتْ: قَدْ اخْتَرْت نَفْسِي لَمْ تَطْلُقْ لِأَنَّ الْإِبَانَةَ مِنْ أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَبَنْتُك يَنْوِي بِهِ الطَّلَاقَ أَوْ قَالَتْ: أَبَنْت نَفْسِي فَقَالَ الزَّوْجُ: قَدْ أَجَزْت ذَلِكَ بَانَتْ فَكَانَتْ مُوَافِقَةً لِلتَّفْوِيضِ فِي الْأَصْلِ إلَّا أَنَّهَا زَادَتْ فِيهِ وَصْفًا وَهُوَ تَعْجِيلُ الْإِبَانَةِ فَيَلْغُو الْوَصْفُ الزَّائِدُ وَيَثْبُتُ الْأَصْلُ، كَمَا إذَا قَالَتْ: طَلَّقْت نَفْسِي تَطْلِيقَةً بَائِنَةً، وَيَنْبَغِي أَنْ تَقَعَ تَطْلِيقَةٌ رَجْعِيَّةٌ.
بِخِلَافِ الِاخْتِيَارِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ اخْتَرْتُك أَوْ اخْتَارِي يَنْوِي الطَّلَاقَ لَمْ يَقَعْ، لَوْ قَالَتْ ابْتِدَاءً: اخْتَرْت نَفْسِي فَقَالَ الزَّوْجُ: قَدْ أَجَزْت لَا يَقَعُ شَيْءٌ إلَّا أَنَّهُ عُرِفَ طَلَاقًا بِالْإِجْمَاعِ إذَا حَصَلَ جَوَابًا لِلتَّخْيِيرِ، وَقولهُ طَلِّقِي نَفْسَك لَيْسَ بِتَنْجِيزٍ فَيَلْغُو.
وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَقَعُ شَيْءٌ بِقولهَا أَبَنْت نَفْسِي لِأَنَّهَا أَتَتْ بِغَيْرِ مَا فَوَّضَ إلَيْهَا إذْ الْإِبَانَةُ تَغَايُرُ الطَّلَاقَ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَإِنْ قَالَ لَهَا: طَلِّقِي نَفْسَك فَقَالَتْ: أَبَنْت نَفْسِي طَلُقَتْ) أَيْ رَجْعِيًّا، وَلَوْ قَالَتْ: اخْتَرْت نَفْسِي لَمْ تَطْلُقْ.
وَحَاصِلُ الْفَرْقِ بَيْنَ صِحَّةِ الْجَوَابِ بِأَبَنْتُ وَعَدَمِهِ بِاخْتَرْت أَنَّ الْمُفَوَّضَ الطَّلَاقُ، وَالْإِبَانَةُ مِنْ أَلْفَاظِهِ الَّتِي تُسْتَعْمَلُ فِي إيقَاعِهِ كِنَايَةً فَقَدْ أَجَابَتْ بِمَا فَوَّضَ إلَيْهَا، بِخِلَافِ الِاخْتِيَارِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ لَا صَرِيحًا وَلَا كِنَايَةً، وَلِهَذَا لَوْ قَالَتْ: أَبَنْت نَفْسِي تَوَقَّفَ عَلَى إجَازَتِهِ، وَلَوْ قَالَتْ اخْتَرْت نَفْسِي فَهُوَ بَاطِلٌ وَلَا تَلْحَقُهُ إجَازَةٌ، وَإِنَّمَا صَارَ كِنَايَةً بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِيمَا إذَا جُعِلَ جَوَابًا لِلتَّخْيِيرِ، غَيْرَ أَنَّهَا زَادَتْ وَصْفَ تَعْجِيلِ الْبَيْنُونَةِ فِيهِ فَيَلْغُو الْوَصْفُ وَيَثْبُتُ الْأَصْلُ.
لَا يُقَالُ: قَدْ صَحَّ جَوَابًا لِلْأَمْرِ بِالْيَدِ.
لِأَنَّا نَقول: الْأَمْرُ بِالْيَدِ هُوَ التَّخْيِيرُ مَعْنًى فَيَثْبُتُ جَوَابًا لَهُ بِدَلَالَةِ نَصِّ إجْمَاعِهِمْ عَلَى التَّخْيِيرِ.
وَهَذَا لِأَنَّ قولهُ أَمْرُك بِيَدِك لَيْسَ مَعْنَاهُ إلَّا أَنَّك مُخَيَّرَةٌ فِي أَمْرِك الَّذِي هُوَ الطَّلَاقُ بَيْنَ إيقَاعِهِ وَعَدَمِهِ، فَحَيْثُ جُعِلَ جَوَابًا لِلتَّخْيِيرِ بِلَفْظِ التَّخْيِيرِ كَانَ جَوَابًا لِلتَّخْيِيرِ بِمُرَادِفِهِ لِلْعِلْمِ بِأَنَّ خُصُوصَ اللَّفْظِ مُلْغًى، بِخِلَافِ طَلِّقِي لِأَنَّهُ وَضْعًا طَلَبُ الطَّلَاقِ لَا التَّخْيِيرُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَدَمِهِ، ثُمَّ إذَا أَجَابَتْ بِاخْتَرْت نَفْسِي خَرَجَ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا بِاشْتِغَالِهَا بِمَا لَا يَعْنِيهَا فِي ذَلِكَ الْأَمْرِ.
وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَقَعُ بِجَوَابِهَا بِأَبَنْتُ نَفْسِي لِأَنَّهَا أَتَتْ بِغَيْرِ مَا فَوَّضَ إلَيْهَا، لِأَنَّ الْإِبَانَةَ تُغَايِرُ الطَّلَاقَ لِحُصُولِ كُلٍّ مِنْهُمَا دُونَ الْآخَرِ، وَيَخْرُجُ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا كَمَا يَخْرُجُ بِقولهَا اخْتَرْت، وَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ: طَلِّقِي نَفْسَك نِصْفَ تَطْلِيقَةٍ فَطَلَّقَتْ تَطْلِيقَةً أَوْ قَالَ: ثَلَاثًا فَطَلَّقَتْ أَلْفًا لَا يَقَعُ شَيْءٌ.
الْجَوَابُ أَنَّهَا خَالَفَتْهُ فِيهِمَا فِي الْأَصْلِ، فِي الْأُولَى ظَاهِرٌ وَكَذَا فِي الثَّانِيَةِ، لِأَنَّ الْإِيقَاعَ بِالْعَدَدِ عِنْدَ ذِكْرِهِ لَا بِالْوَصْفِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فَيَكُونُ خِلَافًا مُعْتَبَرًا، بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ لِأَنَّهَا خَالَفَتْ فِي الْوَصْفِ بَعْدَ مُوَافَقَتِهَا فِي الْأَصْلِ فَلَا يُعَدُّ خِلَافًا إذْ الْوَصْفُ تَابِعٌ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَسْأَلَتَيْنِ ذَكَرَهُمَا التُّمُرْتَاشِيُّ، وَالْخِلَافُ فِيهِمَا فِي الْأَصْلِ إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ صُورَةِ اللَّفْظِ لَيْسَ غَيْرَهُ، إذْ لَوْ أَوْقَعَتْ عَلَى الْمُرَافَقَةِ: أَعْنِي الثَّلَاثَ وَالنِّصْفَ كَانَ الْوَاقِعُ هُوَ الْوَاقِعَ بِالتَّطْلِيقَةِ وَالْأَلْفِ، وَالْخِلَافُ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى، فَإِنَّ الْوَاقِعَ بِمُجَرَّدِ الصَّرِيحِ لَيْسَ هُوَ الْوَاقِعَ بِالْبَائِنِ، وَقَدْ اُعْتُبِرَ الْخِلَافُ لِمُجَرَّدِ اللَّفْظِ بِلَا مُخَالَفَةٍ فِي الْمَعْنَى خِلَافًا نَظَرًا إلَى أَنَّهُ الْأَصْلُ فِي الْإِيقَاعِ، وَالْخِلَافُ فِي الْمَعْنَى غَيْرُ خِلَافٍ وَفِيهِ مَا لَا يَخْفَى.

متن الهداية:
(وَلَوْ قَالَ لَهَا: طَلِّقِي نَفْسَك فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَنْهُ) لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الْيَمِينِ لِأَنَّهُ تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ بِتَطْلِيقِهَا وَالْيَمِينُ تَصَرُّفٌ لَازِمٌ، وَلَوْ قَامَتْ عَنْ مَجْلِسِهَا بَطَلَ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لَهَا: طَلِّقِي ضَرَّتَك لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ وَإِنَابَةٌ فَلَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ وَيَقْبَلُ الرُّجُوعَ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَلَوْ قَالَ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَنْهُ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى التَّعْلِيقِ، وَلَوْ قَامَتْ مِنْ مَجْلِسِهَا بَطَلَ خِيَارُهَا لِأَنَّهُ تَمْلِيكُ الطَّلَاقِ، بِخِلَافِ قولهِ طَلِّقِي ضَرَّتَك لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ فَلَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ وَيَقْبَلُ الرُّجُوعَ) وَكَذَا قولهُ لِأَجْنَبِيٍّ طَلِّقْهَا أَوْ قول أَجْنَبِيٍّ لَهَا طَلِّقِي فُلَانَةَ لِأَنَّهَا عَامِلَةٌ فِيهِ لِغَيْرِهَا، وَكَذَا الْمَدْيُونُ فِي إبْرَاءِ ذِمَّتِهِ بِقول الدَّائِنِ لَهُ أَبْرِئْ ذِمَّتَك عَامِلٌ لِغَيْرِهِ بِالذَّاتِ وَلِنَفْسِهِ ضِمْنًا عَلَى مَا قَدَّمْنَا، وَالتَّوْكِيلُ اسْتِعَانَةٌ، فَلَوْ لَزِمَ فَلَمْ يَمْلِكْ الرُّجُوعَ عَادَ عَلَى مَوْضُوعِهِ بِالنَّقْضِ، وَقَدَّمْنَا عَدَمَ ظُهُورِ الْفَرْقِ بَيْنَ طَلِّقِي وَأَبْرِئْ ذِمَّتَك إذْ كُلُّ مَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُهُ فِي أَحَدِهِمَا يُمْكِنُ فِي الْآخَرِ، وَإِنَّ عَدَمَ الرُّجُوعِ أَيْضًا يَتَفَرَّعُ عَلَى مَعْنَى الْمِلْكِ الثَّابِتِ بِالتَّمْلِيكِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يَثْبُتُ بِلَا تَوَقُّفٍ عَلَى الْقَبُولِ شَرْعًا عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ فِي الذَّخِيرَةِ، وَأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى تَرَتُّبِهِ عَلَى مَعْنَى التَّعْلِيقِ الْمُسْتَخْرَجِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ مِثْلُهُ فِي الْوَكَالَاتِ وَالْوِلَايَاتِ، فَلَوْ صَحَّ لَزِمَ أَنْ لَا يَصِحَّ الرُّجُوعُ عَنْ تَوْكِيلٍ وَوِلَايَةٍ.
وَأَمَّا الِاقْتِصَارُ عَلَى الْمَجْلِسِ فَبِالْإِجْمَاعِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ.

متن الهداية:
(وَإِنْ قَالَ لَهَا: طَلِّقِي نَفْسَك مَتَى شِئْت فَلَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا فِي الْمَجْلِسِ وَبَعْدَهُ) لِأَنَّ كَلِمَةَ مَتَى عَامَّةٌ فِي الْأَوْقَاتِ كُلِّهَا فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ فِي أَيِّ وَقْتٍ شِئْت.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَإِنْ قَالَ لَهَا: طَلِّقِي نَفْسَك مَتَى شِئْت فَلَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا فِي الْمَجْلِسِ وَبَعْدَهُ) وَكَذَا إذَا شِئْت وَإِذَا مَا شِئْت لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْعُمُومِ.
وَيَرِدُ عَلَى قول أَبِي حَنِيفَةَ فِي: إذْ. أَنَّهَا عِنْدَهُ بِمَنْزِلَةِ: إنْ. فَلَا تَقْتَضِي بَقَاءَ الْأَمْرِ فِي يَدِهَا، وَفِيهِ جَوَابُ الْمُصَنِّفِ بِأَنَّهَا يُمْكِنُ أَنْ تَعْمَلَ شَرْطًا وَأَنْ تَعْمَلَ ظَرْفًا وَالْأَمْرُ صَارَ فِي يَدِهَا فَلَا يَخْرُجُ بِالشَّكِّ، وَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ فِي أَيِّ وَقْتٍ شِئْت، وَلِأَنَّهَا إنَّمَا تَمْلِكُ مَا مَلَكَتْ، وَإِنَّمَا مَلَّكَهَا الطَّلَاقَ وَقْتَ الْمَشِيئَةِ فَلَا تَمْلِكُهُ دُونَهَا، وَبِهَذَا يَتَّضِحُ أَنَّ هَذَا إضَافَةٌ لِلتَّمْلِيكِ لَا تَنْجِيزٌ.
وَمِنْ فُرُوعِ ذَلِكَ أَنَّهَا إذَا طَلَّقَتْ نَفْسَهَا بِلَا قَصْدٍ غَلَطًا لَا يَقَعُ إذَا ذَكَرَ الْمَشِيئَةَ وَيَقَعُ إذَا لَمْ يَذْكُرْهَا، وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي أَوَّلِ بَابِ إيقَاعِ الطَّلَاقِ مَا يُوجِبُ حَمْلَ مَا أُطْلِقَ مِنْ كَلَامِهِمْ مِنْ الْوُقُوعِ بِلَفْظِ الطَّلَاقِ غَلَطًا عَلَى الْوُقُوعِ فِي الْقَضَاءِ لَا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى.

متن الهداية:
(وَإِذَا قَالَ لِرَجُلٍ: طَلِّقْ امْرَأَتِي فَلَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي الْمَجْلِسِ وَبَعْدَهُ) وَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَنْهُ لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ وَأَنَّهُ اسْتِعَانَةٌ، فَلَا يَلْزَمُ وَلَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ، بِخِلَافِ قولهِ لِامْرَأَتِهِ: طَلِّقِي نَفْسَك لِأَنَّهَا عَامِلَةٌ لِنَفْسِهَا فَكَانَ تَمْلِيكًا لَا تَوْكِيلًا (وَلَوْ قَالَ لِرَجُلٍ: طَلِّقْهَا إنْ شِئْت فَلَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي الْمَجْلِسِ خَاصَّةً) وَلَيْسَ لِلزَّوْجِ أَنْ يَرْجِعَ.
وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ: هَذَا وَالْأَوَّلُ سَوَاءٌ لِأَنَّ التَّصْرِيحَ بِالْمَشِيئَةِ كَعَدَمِهِ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ عَنْ مَشِيئَتِهِ فَصَارَ كَالْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ إذَا قِيلَ لَهُ: بِعْهُ إنْ شِئْت.
وَلَنَا أَنَّهُ تَمْلِيكٌ لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ بِالْمَشِيئَةِ وَالْمَالِكُ هُوَ الَّذِي يَتَصَرَّفُ عَنْ مَشِيئَتِهِ، وَالطَّلَاقُ يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِخِلَافِ الْبَيْعِ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُهُ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَإِذَا قَالَ لِرَجُلٍ: طَلِّقْ امْرَأَتِي فَلَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي الْمَجْلِسِ وَبَعْدَهُ وَلَهُ) أَيْ لِلْقَائِلِ (أَنْ يَرْجِعَ لِأَنَّ هَذَا تَوْكِيلٌ وَالتَّوْكِيلُ اسْتِعَانَةٌ فَلَا يَلْزَمُ) وَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ وَلَا يَقْتَصِرَ، وَلِلْوَكِيلِ أَنْ يَفْعَلَهُ بَعْدَ الْمَجْلِسِ، بِخِلَافِ قولهِ لَهَا: طَلِّقِي نَفْسَك لِأَنَّهَا عَامِلَةٌ لِنَفْسِهَا فَكَانَ تَمْلِيكًا لَا تَوْكِيلًا (وَلَوْ قَالَ لِرَجُلٍ: طَلِّقْهَا إنْ شِئْت فَلَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي الْمَجْلِسِ خَاصَّةً وَلَيْسَ لِلزَّوْجِ أَنْ يَرْجِعَ. وَقَالَ زُفَرُ: هَذَا وَالْأَوَّلُ) وَهُوَ قولهُ لِلرَّجُلِ طَلِّقْ امْرَأَتِي بِلَا ذِكْرِ مَشِيئَةٍ (سَوَاءٌ لِأَنَّ التَّصْرِيحَ بِالْمَشِيئَةِ كَعَدَمِهِ لِأَنَّهُ) وَكِيلًا كَانَ أَوْ مَالِكًا (يَتَصَرَّفُ عَنْ مَشِيئَتِهِ) فَصَارَ كَمَا إذَا قَالَ لَهُ: بِعْ عَبْدِي هَذَا إنْ شِئْت لَا يَقْتَصِرُ وَلَهُ الرُّجُوعُ.
أُجِيبَ بِأَنْ لَيْسَ الْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَشِيئَةِ الَّتِي بِمَعْنَى عَدَمِ الْجَبْرِ بَلْ فِي أَنَّهُ إذَا أَثْبَتَ لَهُ الْمَشِيئَةَ لَفْظًا صَارَ مُوجِبُ اللَّفْظِ التَّمْلِيكَ لَا التَّوْكِيلَ، لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْوَكِيلِ لِغَيْرِهِ إنَّمَا هُوَ عَنْ مَشِيئَةِ ذَلِكَ الْغَيْرِ وَإِنْ كَانَ امْتِثَالُهُ بِمَشِيئَةِ نَفْسِهِ، بِخِلَافِ الْمَالِكِ فَإِنَّهُ الْمُتَصَرِّفُ بِمَشِيئَةِ نَفْسِهِ ابْتِدَاءً غَيْرَ مُعْتَبِرٍ ذَلِكَ امْتِثَالًا، فَإِذَا صَرَّحَ لَهُ الْمَالِكُ بِتَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِمَشِيئَتِهِ كَانَ ذَلِكَ تَمْلِيكًا فَيَسْتَلْزِمُ حُكْمَ التَّمْلِيكِ، بِخِلَافِ الْبَيْعِ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ فَيَلْغُو وَصْفُ التَّمْلِيكِ وَيَبْقَى الْإِذْنُ وَالتَّصَرُّفُ بِمُقْتَضَى مُجَرَّدِ الْإِذْنِ لَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ.
قِيلَ: فِيهِ إشْكَالٌ لِأَنَّ الْبَيْعَ فِيهِ لَيْسَ بِمُعَلَّقٍ بِالْمَشِيئَةِ بَلْ الْمُعَلَّقُ فِيهِ الْوَكَالَةُ بِالْبَيْعِ وَهِيَ تَقْبَلُ التَّعْلِيقَ، وَكَأَنَّهُ اعْتَبَرَ التَّوْكِيلَ بِالْبَيْعِ بِنَفْسِ الْبَيْعِ وَهَذَا غَلَطٌ يَظْهَرُ بِأَدْنَى تَأَمُّلٍ.
وَذَلِكَ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ هُوَ قولهُ بِعْ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ كَوْنُ نَفْسِ قولهِ مُعَلَّقًا بِمَشِيئَةِ غَيْرِهِ بَلْ وَقَدْ تَحَقَّقَ وَفَرَغَ مِنْهُ قَبْلَ مَشِيئَةِ ذَلِكَ الْغَيْرِ وَلَمْ يَبْقَ لِذَلِكَ الْغَيْرِ سِوَى فِعْلِ مُتَعَلَّقِ التَّوْكِيلِ أَوْ عَدَمِ الْقَبُولِ وَالرَّدِّ.
وَإِلَى هُنَا تَمَّ مِنْ الْمُصَنِّفِ إنَاطَةُ وَصْفِ التَّمْلِيكِ مَرَّةً بِأَنَّهُ يَعْمَلُ بِرَأْيِ نَفْسِهِ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ، وَمَرَّةً بِأَنَّهُ عَامِلٌ لِنَفْسِهِ بِخِلَافِهِ، وَمَرَّةً بِأَنَّهُ يَعْمَلُ بِمَشِيئَةِ نَفْسِهِ وَلَيْسَ الرَّأْيُ وَالْمَشِيئَةُ وَاحِدًا، فَإِنَّ الْعَمَلَ بِالرَّأْيِ الْعَمَلُ بِمَا يَرَاهُ أَصْوَبَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُؤْخَذَ فِي مَفْهُومِهِ كَوْنُهُ لِنَفْسِهِ وَلَا لِغَيْرِهِ وَالْعَمَلُ لِنَفْسِهِ بِخِلَافِهِ لِغَيْرِهِ وَبِمَشِيئَتِهِ أَيْ بِاخْتِيَارِهِ ابْتِدَاءً بِلَا اعْتِبَارِهِ عَلَى مُطَابَقَةِ أَمْرِ آمِرٍ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ مَعْنَى الْأَصْوَبِيَّةِ فِي مُتَعَلِّقِهَا بَلْ هِيَ وَالْإِرَادَةُ يُخَصَّصَانِ الشَّيْءَ بِوَقْتِ وُجُودِهِ، وَالْأَوَّلُ نَقَضْنَاهُ بِالْوَكَالَةِ، وَهُوَ مُنْدَفِعٌ بِأَنَّ الْعَامِلَ بِرَأْيِهِ هُوَ الَّذِي لَا يَغْلِبُهُ عَلَى رَأْيِهِ مَا يُقَيِّدُهُ فِي فِعْلٍ وَلَا تَرْكٍ، وَالْوَكِيلُ وَإِنْ كَانَ بِوَكَالَةٍ عَامَّةٍ مُطْلَقَةٍ مَعَهُ مَا يَغْلِبُهُ فِي جَانِبِ التَّرْكِ وَهُوَ لُزُومُ خُلْفِ الْوَعْدِ الثَّابِتِ ضِمْنَ رِضَاهُ بِالتَّوْكِيلِ إذَا لَمْ يَفْعَلْ فَإِنَّهُ إذَا وَكَّلَهُ فَرَضِيَ كَانَ وَاعِدًا بِفِعْلِ مَا اسْتَعَانَ بِهِ فِيهِ، فَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ أَخْلَفَ الْوَعْدَ بِخِلَافِ الزَّوْجَةِ فَإِنَّهَا لَا تُعَدُّ مُخْلِفَةً بِتَرْكِ الطَّلَاقِ إذَا لَمْ يَقْسِرْهَا عَلَيْهِ قَاسِرٌ شَرْعِيٌّ، فَظَهَرَ أَنَّ الْوَكِيلَ لَيْسَ عَامِلًا بِرَأْيِ نَفْسِهِ مُطْلَقًا، وَالثَّانِي بِأَمْرِ الْمَدْيُونِ بِإِبْرَاءِ نَفْسِهِ، وَقَدَّمْنَا مَا فِي جَوَابِهِ مِنْ النَّظَرِ، وَلَوْ تَمَّ انْتَقَضَ بِالتَّفْوِيضِ إلَى الْأَجْنَبِيِّ فَإِنَّهُ قَطْعًا لَيْسَ بِتَطْلِيقِ زَوْجَةِ غَيْرِهِ عَامِلًا لِنَفْسِهِ، وَالثَّالِثُ أَقْرَبُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِمَا.

متن الهداية:
(وَلَوْ قَالَ لَهَا: طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا فَطَلَّقَتْ وَاحِدَةً فَهِيَ وَاحِدَةٌ) لِأَنَّهَا مَلَكَتْ إيقَاعَ الثَّلَاثِ فَتَمْلِكُ إيقَاعَ الْوَاحِدَةِ ضَرُورَةً (وَلَوْ قَالَ لَهَا: طَلِّقِي نَفْسَك وَاحِدَةً فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: تَقَعُ وَاحِدَةٌ) لِأَنَّهَا أَتَتْ بِمَا مَلَكَتْهُ وَزِيَادَةٍ فَصَارَ كَمَا إذَا طَلَّقَهَا الزَّوْجُ أَلْفًا.
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا أَتَتْ بِغَيْرِ مَا فَوَّضَ إلَيْهَا فَكَانَتْ مُبْتَدِئَةً، وَهَذَا لِأَنَّ الزَّوْجَ مَلَّكَهَا الْوَاحِدَةَ وَالثَّلَاثُ غَيْرُ الْوَاحِدَةِ لِأَنَّ الثَّلَاثَ اسْمٌ لِعَدَدٍ مُرَكَّبٍ مُجْتَمِعٍ وَالْوَاحِدَةُ فَرْدٌ لَا تَرْكِيبَ فِيهِ فَكَانَتْ بَيْنَهُمَا مُغَايِرَةٌ عَلَى سَبِيلِ الْمُضَادَّةِ، بِخِلَافِ الزَّوْجِ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ بِحُكْمِ الْمِلْكِ، وَكَذَا هِيَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لِأَنَّهَا مَلَكَتْ الثَّلَاثَ، أَمَّا هَاهُنَا لَمْ تَمْلِكْ الثَّلَاثَ وَمَا أَتَتْ بِمَا فُوِّضَ إلَيْهَا فَلَغَتْ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَإِنْ قَالَ لَهَا: طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا فَطَلَّقَتْ وَاحِدَةً فَهِيَ وَاحِدَةٌ لِأَنَّهَا لَمَّا مَلَكَتْ إيقَاعَ الثَّلَاثِ كَانَ لَهَا أَنْ تُوقِعَ مِنْهَا مَا شَاءَتْ) كَالزَّوْجِ نَفْسِهِ (وَلَوْ قَالَ لَهَا: طَلِّقِي نَفْسَك وَاحِدَةً فَطَلَّقَتْ ثَلَاثًا لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَقَالَا: تَقَعُ وَاحِدَةٌ لِأَنَّهَا أَتَتْ بِمَا مَلَكَتْهُ وَزِيَادَةً فَصَارَ كَمَا إذَا طَلَّقَهَا الزَّوْجُ أَلْفًا) وَكَقولهَا طَلَّقْت نَفْسِي وَاحِدَةً وَوَاحِدَةً وَوَاحِدَةً فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَأَبَنْت نَفْسِي فِي جَوَابِ طَلِّقِي نَفْسَك وَطَلَّقْت نَفْسِي وَضَرَّتِي، وَقول الْعَبْدِ فِي جَوَابِ اعْتِقْ نَفْسَك أَعْتَقْت نَفْسِي وَفُلَانًا حَيْثُ يَقَعُ ثَلَاثٌ فِي الْأُولَى وَرَجْعِيٌّ فِي الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ وَتَطْلُقُ هِيَ وَيَعْتِقُ هُوَ دُونَ مَنْ قَرَنَاهُ (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا أَتَتْ بِغَيْرِ مَا فَوَّضَ إلَيْهَا مُبْتَدِئَةً) فَيَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ الزَّوْجِ، وَبِهَذَا يَخْرُجُ الْجَوَابُ عَمَّا بَعْدَ الْأُولَى مِنْ الصُّوَرِ لِامْتِثَالِهَا بَدْءًا، ثُمَّ الْمُخَالَفَةُ بِمَا بَعْدَهُ فَلَا تُعْتَبَرُ.
وَوَجْهُهَا فِي أَبَنْت نَفْسِي أَنَّ مَعْنَاهُ طَلَّقْت نَفْسِي بَائِنًا وَالْبَاقِي ظَاهِرٌ.
وَقولهُ بِخِلَافِ الزَّوْجِ جَوَابٌ عَنْ الْأَوَّلِ: أَيْ أَنَّ الزَّوْجَ يَتَصَرَّفُ بِحُكْمِ مِلْكِهِ الثَّلَاثَ، وَكَمَا إذَا صَرَّحَ بِمَا الثَّلَاثُ فِي ضِمْنِهِ فَيَثْبُتُ الْقَدْرُ الَّذِي يَمْلِكُهُ وَيَلْغُو مَا سِوَاهُ، وَكَذَا هِيَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَهِيَ قولهُ لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا مَلَّكْتُهَا بِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا (أَمَّا هُنَا فَلَمْ تَمْلِكْ الثَّلَاثَ) لِأَنَّهُ إنَّمَا مَلَّكَهَا الْوَاحِدَةَ وَلَمْ تَأْتِ بِمَا فَوَّضَ إلَيْهَا فَلَمْ تَصِرْ بِاعْتِبَارِهَا مَالِكَةً وَلَا بِاعْتِبَارِهَا مُتَصَرِّفَةً عَنْ الْآمِرِ لِعَدَمِ الْمُوَافَقَةِ، وَحَقِيقَةُ الْفَرْقِ أَنَّهَا مَلَكَتْ الْوَاحِدَةَ وَهِيَ شَيْءٌ بِقَيْدِ الْوَحْدَةِ، بِخِلَافِ الْوَاحِدَةِ الَّتِي فِي ضِمْنِ الثَّلَاثِ فَإِنَّهَا بِقَيْدِ ضِدِّهِ، وَهَذَا مَعْنَى قولهِ الثَّلَاثُ اسْمٌ لِعَدَدٍ مُرَكَّبٍ مُجْتَمَعُ الْوُحْدَانِ وَالْوَاحِدُ لَا تَرْتِيبَ فِيهِ فَكَانَ بَيْنَهُمَا تَضَادٌّ، بِخِلَافِ الزَّوْجِ وَبِخِلَافِهَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لِأَنَّهَا مَلَكَتْ الثَّلَاثَ.
أَمَّا هُنَا فَلَمْ تَمْلِكْ الثَّلَاثَ لِمَا ذَكَرْنَا، وَهَذَا التَّقْرِيرُ لَا يَسْتَعْقِبُ إيرَادًا.
وَوَقَعَ فِي لَفْظِ الْمُصَنِّفِ قولهُ وَالثَّلَاثُ غَيْرُ الْوَاحِدَةِ: يَعْنِي فَلَمْ تَكُنْ بِإِيقَاعِهَا مُوَافَقَةً لِمَا مَلَّكَهَا.
فَاعْتَرَضَ بِأَنَّ مَذْهَبَ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ الْجُزْءَ مِنْ الْعَشَرَةِ لَيْسَ عَنْهَا وَلَا غَيْرِهَا.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ فِي الْأُمُورِ الْمَوْجُودَةِ بِخِلَافِ نَحْوِ الطَّلَاقِ، وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا مُجَرَّدُ اصْطِلَاحٍ لِلْمُتَكَلِّمِينَ كَمَا أَنَّ اصْطِلَاحَ الْفَلَاسِفَةِ أَنَّ مَا لَيْسَ عَيْنًا فَهُوَ غَيْرٌ، وَلَوْ فُرِضَ عَدَمُ وَضْعِ الِاصْطِلَاحِ أَصْلًا بَلْ عَدَمُ وَضْعِ لَفْظَةِ غَيْرٍ لُغَةً لَمْ يَتَوَقَّفْ إثْبَاتُ الْمَطْلُوبِ عَلَيْهِ، إذْ يَكْفِي فِيهِ أَنْ يُقَالَ فَوَّضَ إلَيْهَا الثَّلَاثَ وَالْوَاحِدَةُ لَيْسَتْ إيَّاهَا فَلَا تَكُونُ مُفَوَّضَةً إلَيْهَا فَإِيرَادُ مِثْلِهِ إلْزَامٌ بِمُجَرَّدِ الِاصْطِلَاحِ، وَغَايَةُ مَا يَلْزَمُ بَعْدَ الْتِزَامِهِ أَنَّ الْمُصَنِّفَ عَبَّرَ عَمَّا لَيْسَ إيَّاهُ بِلَفْظِ غَيْرٍ مَجَازًا.

متن الهداية:
(وَإِنْ أَمَرَهَا بِطَلَاقٍ يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ فَطَلَّقَتْ بَائِنَةً، أَوْ أَمَرَهَا بِالْبَائِنِ فَطَلَّقَتْ رَجْعِيَّةً وَقَعَ مَا أَمَرَ بِهِ الزَّوْجُ) فَمَعْنَى الْأَوَّلِ أَنْ يَقول لَهَا الزَّوْجُ: طَلِّقِي نَفْسَك وَاحِدَةً أَمْلِكُ الرَّجْعَةَ فَتَقول: طَلَّقْت نَفْسِي وَاحِدَةً بَائِنَةً فَتَقَعُ رَجْعِيَّةً لِأَنَّهَا أَتَتْ بِالْأَصْلِ وَزِيَادَةِ وَصْفٍ كَمَا ذَكَرْنَا فَيَلْغُو الْوَصْفُ وَيَبْقَى الْأَصْلُ، وَمَعْنَى الثَّانِي أَنْ يَقول لَهَا طَلِّقِي نَفْسَك وَاحِدَةً بَائِنَةً فَتَقول طَلَّقْت نَفْسِي وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً فَتَقَعُ بَائِنَةً لِأَنَّ قولهَا وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً لَغْوٌ مِنْهَا لِأَنَّ الزَّوْجَ لَمَّا عَيَّنَ صِفَةَ الْمُفَوَّضِ إلَيْهَا فَحَاجَتُهَا بَعْدَ ذَلِكَ إلَى إيقَاعِ الْأَصْلِ دُونَ تَعْيِينِ الْوَصْفِ فَصَارَ كَأَنَّهَا اقْتَصَرَتْ عَلَى الْأَصْلِ فَيَقَعُ بِالصِّفَةِ الَّتِي عَيَّنَهَا الزَّوْجُ بَائِنًا أَوْ رَجْعِيًّا (وَإِنْ قَالَ لَهَا: طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا إنْ شِئْت فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا وَاحِدَةً لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ) لِأَنَّ مَعْنَاهُ إنْ شِئْت الثَّلَاثَ وَهِيَ بِإِيقَاعِ الْوَاحِدَةِ مَا شَاءَتْ الثَّلَاثَ فَلَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ (وَلَوْ قَالَ لَهَا: طَلِّقِي نَفْسَك وَاحِدَةً إنْ شِئْت فَطَلَّقَتْ ثَلَاثًا فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) لِأَنَّ مَشِيئَةَ الثَّلَاثِ لَيْسَتْ بِمَشِيئَةٍ لِلْوَاحِدَةِ كَإِيقَاعِهَا (وَقَالَا: تَقَعُ وَاحِدَةٌ) لِأَنَّ مَشِيئَةَ الثَّلَاثِ مَشِيئَةٌ لِلْوَاحِدَةِ، كَمَا أَنَّ إيقَاعَهَا إيقَاعٌ لِلْوَاحِدَةِ فَوُجِدَ الشَّرْطُ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَلَوْ أَمَرَهَا بِطَلَاقٍ يَمْلِكُ رَجْعَتَهَا فَطَلَّقَتْ بَائِنًا أَوْ أَمَرَهَا بِالْبَائِنِ فَطَلَّقْت رَجْعِيًّا وَقَعَ مَا أَمَرَ بِهِ، وَمَعْنَى الْأَوَّلِ أَنْ يَقول: طَلِّقِي نَفْسَك وَاحِدَةً أَمْلِكُ الرَّجْعَةَ فِيهَا فَتَقول: طَلَّقْت نَفْسِي وَاحِدَةً بَائِنَةً تَقَعُ رَجْعِيَّةً لِأَنَّهَا أَتَتْ بِالْأَصْلِ وَزِيَادَةِ وَصْفٍ كَمَا ذَكَرْنَا فَيَلْغُو الْوَصْفُ وَيَبْقَى الْأَصْلُ، وَمَعْنَى الثَّانِي أَنْ يَقول: طَلِّقِي نَفْسَك وَاحِدَةً بَائِنَةً فَتَقول طَلَّقْت نَفْسِي وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً تَقَعُ بَائِنَةً لِأَنَّ قولهَا رَجْعِيَّةً لَغْوٌ لِأَنَّ الزَّوْجَ لَمَّا عَيَّنَ صِفَةَ الْمُفَوَّضِ إلَيْهَا فِي الصُّورَتَيْنِ فَحَاجَتُهَا بَعْدَ ذَلِكَ إلَى أَصْلِ الْإِيقَاعِ) لَا إلَى ذِكْرِ وَصْفِهِ، فَذِكْرُهَا إيَّاهُ مُوَافِقًا أَوْ مُخَالِفًا لَا عِبْرَةَ بِهِ لِأَنَّ الْوُقُوعَ بِإِيقَاعِهَا لَيْسَ إلَّا بِنَاءً عَلَى التَّفْوِيضِ، فَذِكْرُهَا كَسُكُوتِهَا عَنْهُ، وَعِنْدَ سُكُوتِهَا يَقَعُ عَلَى الْوَصْفِ الْمُفَوَّضِ.
وَحَاصِلُ هَذَا كُلِّهِ أَنَّ الْمُخَالَفَةَ إنْ كَانَتْ فِي الْوَصْفِ لَا يَبْطُلُ الْجَوَابُ، بَلْ يَبْطُلُ الْوَصْفُ الَّذِي بِهِ الْمُخَالَفَةُ وَيَقَعُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي فَوَّضَ بِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ فِي الْأَصْلِ حَيْثُ يَبْطُلُ، كَمَا إذَا فَوَّضَ وَاحِدَةً طَلُقَتْ ثَلَاثًا عَلَى قول أَبِي حَنِيفَةَ، أَوْ فَوَّضَ ثَلَاثًا فَطَلَّقَتْ أَلْفًا، وَتَقَدَّمَ تَخْرِيجُ أَبَنْت عَلَى مُخَالَفَةِ الْوَصْفِ فِي قولهِ طَلِّقِي نَفْسَك.
قولهُ: (وَلَوْ قَالَ لَهَا: طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا إلَخْ) تَقَدَّمَ أَنَّهُ إذَا قَالَ: طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا تَمْلِكُ أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا وَاحِدَةً وَثِنْتَيْنِ وَثَلَاثًا، فَلَوْ أَنَّهُ زَادَ قولهُ إنْ شِئْت فَطَلَّقَتْ وَاحِدَةً لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ لِأَنَّ مَعْنَاهُ إنْ شِئْت الثَّلَاثَ فَكَانَ تَفْوِيضُ الثَّلَاثِ مُعَلَّقًا بِشَرْطٍ هُوَ مَشِيئَتُهَا إيَّاهَا وَلَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ لِأَنَّهَا لَمْ تَشَأْ إلَّا وَاحِدَةً، وَتَقَدَّمَ أَنَّهَا لَوْ قَالَ لَهَا: طَلِّقِي نَفْسَك وَاحِدَةً فَطَلَّقَتْ ثَلَاثًا لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَتَقَعُ وَاحِدَةٌ عِنْدَهُمَا، فَلَوْ زَادَ قولهُ إنْ شِئْت فَالْخِلَافُ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ، فَأَبُو حَنِيفَةَ يَقول: مَشِيئَةُ الثَّلَاثِ لَيْسَتْ مَشِيئَةَ الْوَاحِدَةِ فَلَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ، وَهُمَا يَقولانِ: مَشِيئَةُ الثَّلَاثِ مَشِيئَةُ الْوَاحِدَةِ كَمَا أَنَّ إيقَاعَهَا إيقَاعُ الْوَاحِدَةِ، وَقَدْ سَبَقَ الْكَلَامُ فِي تَحْقِيقِ ذَلِكَ.

متن الهداية:
(وَلَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْتِ فَقَالَتْ: شِئْتُ إنْ شِئْتَ فَقَالَ الزَّوْجُ: شِئْتُ يَنْوِي الطَّلَاقَ بَطَلَ الْأَمْرُ) لِأَنَّهُ عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِالْمَشِيئَةِ الْمُرْسَلَةِ وَهِيَ أَتَتْ بِالْمُعَلَّقَةِ فَلَمْ يُوجَدْ الشَّرْطُ وَهُوَ اشْتِغَالٌ بِمَا لَا يَعْنِيهَا فَخَرَجَ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا، وَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بِقولهِ شِئْت وَإِنْ نَوَى الطَّلَاقَ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي كَلَامِ الْمَرْأَةِ ذِكْرُ الطَّلَاقِ لِيَصِيرَ الزَّوْجُ شَائِيًا طَلَاقَهَا، وَالنِّيَّةُ لَا تَعْمَلُ فِي غَيْرِ الْمَذْكُورِ حَتَّى لَوْ قَالَ: شِئْت طَلَاقَك يَقَعُ إذَا نَوَى لِأَنَّهُ إيقَاعٌ مُبْتَدَأٌ إذْ الْمَشِيئَةُ تُنْبِئُ عَنْ الْوُجُودِ، بِخِلَافِ قولهِ أَرَدْت طَلَاقَك لِأَنَّهُ لَا يُنْبِئُ عَنْ الْوُجُودِ.
(وَكَذَا إذَا قَالَتْ شِئْتُ إنْ شَاءَ أَبِي أَوْ شِئْت إنْ كَانَ كَذَا لِأَمْرٍ لَمْ يَجِئْ بَعْدُ) لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْمَأْتِيَّ بِهِ مَشِيئَةٌ مُعَلَّقَةٌ فَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ وَبَطَلَ الْأَمْرُ (وَإِنْ قَالَتْ: قَدْ شِئْت إنْ كَانَ كَذَا لِأَمْرٍ قَدْ مَضَى طَلُقَتْ) لِأَنَّ التَّعْلِيقَ بِشَرْطٍ كَائِنٍ تَنْجِيزٌ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَلَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْت فَقَالَتْ: شِئْتُ إنْ شِئْتَ فَقَالَ: شِئْتُ يَنْوِي الطَّلَاقَ بَطَلَ الْأَمْرُ لِأَنَّهُ عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِالْمَشِيئَةِ الْمُرْسَلَةِ) مِنْهَا (وَهِيَ قَدْ أَتَتْ بِالْمُعَلَّقَةِ فَمَا وُجِدَ الشَّرْطُ ثُمَّ هُوَ اشْتِغَالٌ بِمَا لَا يَعْنِيهَا فَخَرَجَ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا، وَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بِقولهِ شِئْت وَإِنْ نَوَى لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي كَلَامِ الرَّجُلِ ذِكْرُ الطَّلَاقِ وَلَا فِي كَلَامِهَا) لِأَنَّهَا لَمْ تَقُلْ شِئْت طَلَاقِي إنْ شِئْتَ لِيَكُونَ الزَّوْجُ بِقولهِ شِئْتُ شَائِيًا طَلَاقَهَا لَفْظًا بَلْ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ وَالنِّيَّةُ لَا تَعْمَلُ فِي غَيْرِ الْمَذْكُورِ الصَّالِحِ لِلْإِيقَاعِ وَلَا فِي الْمَذْكُورِ الَّذِي لَيْسَ بِصَالِحٍ لِلْإِيقَاعِ بِهِ نَحْوُ اسْقِنِي.
(حَتَّى لَوْ قَالَ: شِئْت طَلَاقَك يَنْوِيهِ وَقَعَ لِأَنَّ الْمَشِيئَةَ تُنْبِئُ عَنْ الْوُجُودِ) لِأَنَّهَا مِنْ الشَّيْءِ وَهُوَ الْمَوْجُودُ (بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: أَرَدْت طَلَاقَك لِأَنَّهُ لَا يُنْبِئُ عَنْ الْوُجُودِ) بَلْ هِيَ طَلَبٌ لِنَفْسِ الْوُجُودِ عَنْ مَيْلٍ، وَغَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ الْمَشِيئَةَ وَالْإِرَادَةَ فِي صِفَةِ الْعِبَادِ مُخْتَلِفَانِ، وَفِي صِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى مُتَرَادِفَانِ كَمَا هُوَ اللُّغَةُ فِيهِمَا مُطْلَقًا فَلَا يَدْخُلُهُمَا وُجُودٌ: أَيْ لَا يَكُونُ الْوُجُودُ جُزْءَ مَفْهُومِ أَحَدِهِمَا غَيْرَ أَنَّ مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ وَكَذَا مَا أَرَادَهُ، لِأَنَّ تَخَلُّفَ الْمُرَادِ إنَّمَا يَكُونُ لِعَجْزِ الْمُرِيدِ لَا لِذَاتِ الْإِرَادَةِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ الْمُؤَثِّرَةَ لِلْوُجُودِ لِأَنَّ ذَلِكَ خَاصِّيَّةُ الْقُدْرَةِ، بَلْ بِمَعْنَى أَنَّهَا الْمُخَصِّصَةُ لِلْمَقْدُورِ الْمَعْلُومِ وُجُودُهُ بِالْوَقْتِ وَالْكَيْفِيَّةِ، ثُمَّ الْقُدْرَةُ تُؤَثِّرُ عَلَى وَفْقِ الْإِرَادَةِ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَتَخَلَّفُ شَيْءٌ عَنْ مُرَادِهِ تَعَالَى لِمَا قُلْنَا فِي الْمَشِيئَةِ بِخِلَافِ الْعِبَادِ، وَعَنْ هَذَا لَوْ قَالَ أَرَادَ اللَّهُ طَلَاقَك يَنْوِيهِ يَقَعُ كَمَا لَوْ قَالَ شَاءَ اللَّهُ، بِخِلَافِ أَحَبَّ اللَّهُ طَلَاقَك أَوْ رَضِيَهُ لَا يَقَعُ لِأَنَّهُمَا لَا يَسْتَلْزِمَانِ مِنْهُ تَعَالَى الْوُجُودَ.
وَلَوْ قِيلَ: التَّخْصِيصُ بِالْوَقْتِ الْإِرَادَةُ يَكُونُ عَنْ طَلَبِهِ وَيَسْتَلْزِمُ عَدَمَ الْفَرْقِ بَيْنَ صِفَةِ الْإِرَادَةِ وَالْكَلَامِ.
نَعَمْ فَرَّقَ بَيْنَ الطَّلَبَيْنِ أَنَّهُ فِي الْكَلَامِ طَلَبٌ تَكْلِيفِيٌّ وَهَذَا بِخِلَافِهِ، وَلَكِنَّهُ لَيْسَ يَلْزَمُ كَوْنُ الطَّلَبِ الْكَلَامِيِّ تَكْلِيفًا دَائِمًا كَمَا فِي الطَّلَبِ الْمُعَبَّرِ عَنْهُ بِكُنْ.
وَلَوْ أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ الطَّلَبَ خَارِجٌ عَنْهَا لَزِمَ كَوْنُهَا مِنْ صِفَاتِ الْأَفْعَالِ، وَإِذْ قَدْ ظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْإِرَادَتَيْنِ لَا يَكُونُ فَرْقُ أَبِي حَنِيفَةَ بَيْنَ الْمَشِيئَةِ وَالْإِرَادَةِ فِي حَقِّ الْعِبَادِ رِوَايَةً عَنْهُ فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا فِي صِفَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
بَقِيَ الشَّأْنُ فِي كَوْنِ الْمَشِيئَةِ تُنْبِئُ عَنْ الْوُجُودِ فِي حَقِّ الْعِبَادِ لِلِاشْتِقَاقِ مِنْ الشَّيْءِ وَهُوَ الْمَوْجُودُ فِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ الشَّيْءَ وَإِنْ وَقَعَ عَلَى غَيْرِ الْأَعْيَانِ إلَّا أَنَّ كَوْنَهُ فِي مَفْهُومِهِ الْوُجُودَ اصْطِلَاحٌ طَارِئٌ عَلَى اللُّغَةِ، فَإِنَّهُ لُغَةً يُقَالُ لِلْمَعْدُومِ وَالْمَوْجُودِ، وَكَوْنُ الْإِرَادَةِ نُسِبَتْ إلَى مَا لَا يَعْقِلُ بِخِلَافِ الْمَشِيئَةِ، كَمَا ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ لَا أَثَرَ لَهُ إلَّا لَوْ لَمْ يَكُنْ مَجَازًا عَقْلِيًّا أَوْ مَجَازًا لُغَوِيًّا فِي لَفْظِ الْإِرَادَةِ، عَلَى أَنَّهُ سُمِعَ نِسْبَةُ الْمَشِيئَةِ أَيْضًا إلَى ذَلِكَ.
أَنْشَدَ ابْنُ السِّكِّيتِ فِي إصْلَاحِ الْمَنْطِقِ:
يَا مَرْحَبَاهُ بِحِمَارٍ عَقْرَا

إذَا أَتَى قَرَّبْتُهُ لِمَا يَشَا

مِنْ الشَّعِيرِ وَالْحَشِيشِ وَالْمَا

وَهُوَ مِنْ شَوَاهِدِ قَصْرِ الْمَمْدُودِ، فَتَوْجِيهُهُ أَنْ يُعْتَبَرَ الْعُرْفُ فِيهِ: يَعْنِي بِكَوْنِ الْعُرْفِ الْعَامِّ أَنَّهُ الشَّيْءُ الْمَوْجُودُ وَالْمَشِيئَةُ مِنْهُ بِأَنْ يُرَادَ بِهِ بَعْضُ مَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ وَهُوَ الشَّيْءُ الْكَائِنُ مَصْدَرًا لِشَاءَ، فَإِنَّهُ يُقَالُ: شَاءَ شَيْئًا عَلَى إرَادَةِ الْحَاصِلِ بِالْمَصْدَرِ ثُمَّ يُشْتَقُّ مِنْهُ.
وَلِمَا كَانَ الْوُجُودُ عَلَى هَذَا مُحْتَمِلَ اللَّفْظِ لَا مُوجِبَهُ احْتَاجَ إلَى النِّيَّةِ فَلَزِمَ الْوُجُودُ فِيهَا، فَإِذَا قَالَ: شِئْت كَذَا فِي التَّخَاطُبِ الْعُرْفِيِّ فَمَعْنَاهُ أَوْجَدْتُهُ عَنْ اخْتِيَارٍ، بِخِلَافِ أَرَدْت كَذَا مُجَرَّدًا يُفِيدُ عُرْفًا عَدَمَ الْوُجُودِ، وَأَحْبَبْت طَلَاقَك وَرَضِيتُهُ مِثْلُ أَرَدْتُهُ، وَلَوْ قَالَ: شَائِي طَلَاقَك نَاوِيًا لِلطَّلَاقِ فَقَالَتْ: شِئْت وَقَعَ، وَلَوْ قَالَ أَرِيدِيهِ أَوْ اهْوَيْهِ أَوْ أَحِبِّيهِ أَوْ ارْضَيْهِ يَنْوِي الطَّلَاقَ فَقَالَتْ: أَرَدْتُهُ أَحْبَبْتُهُ هَوَيْتُهُ رَضِيتُهُ لَا يَقَعُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: إنْ أَرَدْت أَوْ أَحْبَبْت إلَى آخِرِهَا فَقَالَتْ: أَرَدْت أَوْ أَحْبَبْت إلَى آخِرِهَا فَإِنَّهُ يَقَعُ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ لِأَنَّهُ تَعْلِيقٌ لَا يَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ، وَهُوَ كَقولهِ إنْ كُنْت تُحِبِّينِي يَتَعَلَّقُ بِإِخْبَارِهَا فَإِذَا قَالَتْ: أَحْبَبْت وَقَعَ.
قولهُ: (وَإِنْ قَالَتْ: قَدْ شِئْت إنْ كَانَ كَذَا لِأَمْرٍ قَدْ مَضَى) كَشِئْت إنْ كَانَ فُلَانٌ قَدْ جَاءَ وَقَدْ جَاءَ، أَوْ لِأَمْرٍ كَائِنٍ كَشِئْت إنْ كَانَ أَبِي فِي الدَّارِ وَهُوَ فِيهَا طَلُقَتْ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ بِأَمْرٍ كَائِنٍ تَنْجِيزٌ.
قِيلَ: يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: هُوَ كَافِرٌ إنْ كُنْت فَعَلْت كَذَا وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ قَدْ فَعَلَهُ أَنْ يَكْفُرَ وَهُوَ مُنْتَفٍ.
أُجِيبَ بِأَنَّ مِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ بِكُفْرِهِ فَاللَّازِمُ حَقٌّ، وَعَلَى الْمُخْتَارِ وَهُوَ عَدَمُ كُفْرِهِ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ يُفَرَّقُ بِأَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ جُعِلَتْ كِنَايَةً عَنْ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى إذَا جَعَلَ تَعْلِيقَ كُفْرِهِ بِأَمْرٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، فَكَذَا إذَا جَعَلَهُ بِمَاضٍ تَحَامِيًا عَنْ تَكْفِيرِ الْمُسْلِمِ.
وَالْأَوْجَهُ أَنَّ الْكُفْرَ بِتَبَدُّلِ الِاعْتِقَادِ وَتَبَدُّلُهُ غَيْرُ وَاقِعٍ مَعَ ذَلِكَ الْفِعْلِ.
فَإِنْ قِيلَ: لَوْ قَالَ هُوَ كَافِرٌ بِاَللَّهِ وَلَمْ يَتَبَدَّلْ اعْتِقَادُهُ يَجِبُ أَنْ يَكْفُرَ فَلْيَكْفُرْ هُنَا بِلَفْظِ هُوَ كَافِرٌ وَإِنْ لَمْ يَتَبَدَّلْ اعْتِقَادُهُ.
قُلْنَا: النَّازِلُ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ حُكْمُ اللَّفْظِ لَا عَيْنُهُ فَلَيْسَ هُوَ بَعْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ مُتَكَلِّمًا بِقولهِ هُوَ كَافِرٌ حَقِيقَةً.

متن الهداية:
(وَلَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ إذَا شِئْت أَوْ إذَا مَا شِئْت أَوْ مَتَى شِئْت أَوْ مَتَى مَا شِئْت فَرَدَّتْ الْأَمْرَ لَمْ يَكُنْ رَدًّا وَلَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ) أَمَّا كَلِمَةُ مَتَى وَمَتَى مَا فَلِأَنَّهُمَا لِلْوَقْتِ وَهِيَ عَامَّةٌ فِي الْأَوْقَاتِ كُلِّهَا، كَأَنَّهُ قَالَ فِي أَيِّ وَقْتٍ شِئْت فَلَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ بِالْإِجْمَاعِ، وَلَوْ رَدَّتْ الْأَمْرَ لَمْ يَكُنْ رَدًّا لِأَنَّهُ مَلَّكَهَا الطَّلَاقَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي شَاءَتْ فَلَمْ يَكُنْ تَمْلِيكًا قَبْلَ الْمَشِيئَةِ حَتَّى يَرْتَدَّ بِالرَّدِّ، وَلَا تُطَلِّقُ نَفْسَهَا إلَّا وَاحِدَةً لِأَنَّهَا تَعُمُّ الْأَزْمَانَ دُونَ الْأَفْعَالِ فَتَمْلِكُ التَّطْلِيقَ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَلَا تَمْلِكُ تَطْلِيقًا بَعْدَ تَطْلِيقٍ، وَأُمًّا كَلِمَةُ إذَا وَإِذَا مَا فَهُمَا وَمَتَى سَوَاءٌ عِنْدَهُمَا.
وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ يُسْتَعْمَلُ لِلشَّرْطِ كَمَا يُسْتَعْمَلُ لِلْوَقْتِ لَكِنَّ الْأَمْرَ صَارَ بِيَدِهَا فَلَا يَخْرُجُ بِالشَّكِّ وَقَدْ مَرَّ مِنْ قَبْلُ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إذَا شِئْتِ أَوْ إذَا مَا شِئْتِ أَوْ مَتَى شِئْتِ أَوْ مَتَى مَا شِئْت فَرَدَّتْ) بِأَنْ قَالَتْ: لَا أَشَاءُ لَا يَكُونُ رَدًّا وَلَهَا أَنْ تَشَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ، أَمَّا كَلِمَةُ مَتَى فَإِنَّهَا لِعُمُومِ الْأَوْقَاتِ كَأَنَّهُ قَالَ فِي أَيِّ وَقْتٍ شِئْت، وَإِنَّمَا لَمْ يَرْتَدَّ بِرَدِّهَا لِأَنَّهُ لَمْ يُمَلِّكْهَا فِي الْحَالِ شَيْئًا بَلْ أَضَافَهُ إلَى وَقْتِ مَشِيئَتِهَا فَلَا يَكُونُ تَمْلِيكًا قَبْلَهُ فَلَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ.
وَقَدْ يُقَالُ: لَيْسَ هَذَا تَمْلِيكًا فِي حَالٍ أَصْلًا لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِطَلَاقِهَا مُعَلَّقًا بِشَرْطِ مَشِيئَتِهَا، فَإِذَا وُجِدَتْ مَشِيئَتُهَا وَقَعَ طَلَاقُهُ، وَإِنَّمَا يَصِحُّ مَا ذَكَرَ فِي لَفْظِ طَلِّقِي نَفْسَك إذَا شِئْت لِأَنَّهَا تَتَصَرَّفُ بِحُكْمِ الْمِلْكِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَتْ: طَلَّقْت نَفْسِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَإِنَّهُ وَإِنْ وَقَعَ الطَّلَاقُ لَكِنْ الْوَاقِعُ طَلَاقُهُ الْمُعَلَّقُ وَقولهَا طَلَّقْت إيجَادٌ لِلشَّرْطِ الَّذِي هُوَ مَشِيئَةُ الطَّلَاقِ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ الْمَشِيئَةَ تُقَارِنُ الْإِيجَادَ، ثُمَّ لَا تَمْلِكُ طَلَاقَ نَفْسِهَا إلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً لِأَنَّهَا تَعُمُّ الْأَزْمَانَ لَا الْأَفْعَالَ بِخِلَافِ كُلَّمَا.
قولهُ: (وَأَمَّا كَلِمَةُ إذَا وَإِذَا مَا فَهِيَ كَمَتَى عِنْدَهُمَا) فَمَا كَانَ حُكْمًا لِمَتَى يَكُونُ حُكْمًا لِإِذَا (وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَإِنْ كَانَتْ إذَا تُسْتَعْمَلُ لِلشَّرْطِ) الْمُجَرَّدِ عَنْ مَعْنَى الزَّمَانِ كَمَا تَقَدَّمَ (لَكِنَّهَا تُسْتَعْمَلُ لِلْوَقْتِ) أَيْضًا مُجَرَّدًا عَنْ مَعْنَى الشَّرْطِ وَمَقْرُونًا بِهِ، وَكُلُّ مَوْضِعٍ تَحَقَّقَ فِيهِ ثُبُوتُ حُكْمٍ لَا يُحْكَمُ بِزَوَالِهِ بِالشَّكِّ، فَفِي قولهِ أَنْتِ طَالِقٌ إذَا لَمْ أُطَلِّقْك الْحُكْمُ الثَّابِتُ عَدَمُ الطَّلَاقِ فَلَا يُحْكَمُ بِزَوَالِهِ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ إلَّا بِيَقِينٍ وَهُوَ أَنْ يُرَادَ بِهَا الزَّمَانُ وَهُوَ غَيْرُ لَازِمٍ مِنْ اسْتِعْمَالِهَا فَلَا تَطْلُقُ إلَّا بِالْمَوْتِ، وَفِي أَنْتِ طَالِقٌ إذَا شِئْت صَارَ الْأَمْرُ فِي يَدِهَا فَلَا يَخْرُجُ بِانْقِضَاءِ الْمَجْلِسِ إلَّا بِيَقِينٍ وَهُوَ أَنْ يُرَادَ بِهَا الشَّرْطُ الْمُجَرَّدُ وَهُوَ غَيْرُ لَازِمٍ مِنْ اسْتِعْمَالِهَا.
نَعَمْ لَوْ صَرَّحَ فَقَالَ: أَرَدْت مُجَرَّدَ الشَّرْطِ لَنَا أَنْ نَقول يَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ كَمَا إذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْت فَإِنَّهُ يَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ وَيَحْلِفُ لِنَفْيِ التُّهْمَةِ عَلَى نَحْوِ مَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ أَرَادَهُ وَقولهُ وَقَدْ مَرَّ: يَعْنِي فِي فَصْلِ إضَافَةِ الطَّلَاقِ.
هَذَا وَالْوَجْهُ فِي تَقْرِيرِهِ غَيْرُ هَذَا وَهُوَ أَنَّ قولهُ إذَا شِئْت يَحْتَمِلُ أَنَّهُ تَعْلِيقُ طَلَاقِهِمَا بِشَرْطٍ هُوَ مَشِيئَتُهَا وَأَنَّهُ أَضَافَهُ إلَى زَمَانِهِ، وَعَلَى كُلٍّ مِنْ التَّقْدِيرَيْنِ لَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ حَتَّى إذَا تَحَقَّقَتْ مَشِيئَتُهَا بَعْدَ ذَلِكَ بِأَنْ قَالَتْ: شِئْت ذَلِكَ الطَّلَاقَ أَوْ قَالَتْ: طَلَّقْت نَفْسِي وَقَعَ مُعَلَّقًا كَانَ أَوْ مُضَافًا لَا مَا قَالَ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ الْأَمْرَ دَخَلَ فِي يَدِهَا فَلَا يَخْرُجُ بِالشَّكِّ لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ ثَبَتَ مِلْكُهَا بِالتَّمْلِيكِ فَلَا يَخْرُجُ بِالشَّكِّ فِي الْمُرَادِ بِإِذَا أَنَّهُ مَحْضُ الشَّرْطِ فَيَخْرُجُ مِنْ يَدِهَا بَعْدَ الْمَجْلِسِ أَوْ الزَّمَانِ فَلَا يَخْرُجُ كَمَتَى، وَقَدْ صَرَّحَ آنِفًا فِي مَتَى بِعَدَمِ ثُبُوتِ التَّمْلِيكِ قَبْلَ الْمَشِيئَةِ لِأَنَّهُ إنَّمَا مَلَّكَهَا فِي الْوَقْتِ الَّذِي شَاءَتْ فِيهِ فَلَمْ يَكُنْ تَمْلِيكًا قَبْلَهُ حَتَّى يَرْتَدَّ بِالرَّدِّ.
وَعَلَى مَا ذَكَرْنَا فَاَلَّذِي دَخَلَ فِي مِلْكِهَا تَحْقِيقُ الشَّرْطِ أَوْ الْمُضَافِ إلَيْهِ الزَّمَانُ وَهُوَ مَشِيئَتُهَا الطَّلَاقَ لِيَقَعَ طَلَاقُهُ.

متن الهداية:
(وَلَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ كُلَّمَا شِئْت فَلَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا وَاحِدَةً بَعْدَ وَاحِدَةٍ حَتَّى تُطَلِّقَ نَفْسَهَا ثَلَاثًا) لِأَنَّ كَلِمَةَ كُلَّمَا تُوجِبُ تَكْرَارَ الْأَفْعَالِ إلَّا أَنَّ التَّعْلِيقَ يَنْصَرِفُ إلَى الْمِلْكِ الْقَائِمِ (حَتَّى لَوْ عَادَتْ إلَيْهِ بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ) لِأَنَّهُ مِلْكٌ مُسْتَحْدَثٌ (وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا ثَلَاثًا بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ) لِأَنَّهَا تُوجِبُ عُمُومَ الِانْفِرَادِ لَا عُمُومَ الِاجْتِمَاعِ فَلَا تَمْلِكُ الْإِيقَاعَ جُمْلَةً وَجَمْعًا (وَلَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ حَيْثُ شِئْت أَوْ أَيْنَ شِئْت لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَشَاءَ، وَإِنْ قَامَتْ مِنْ مَجْلِسِهَا فَلَا مَشِيئَةَ لَهَا) لِأَنَّ كَلِمَةَ حَيْثُ وَأَيْنَ مِنْ أَسْمَاءِ الْمَكَانِ وَالطَّلَاقُ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالْمَكَانِ فَيَلْغُو وَيَبْقَى ذِكْرُ مُطْلَقِ الْمَشِيئَةِ فَيَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ، بِخِلَافِ الزَّمَانِ لِأَنَّ لَهُ تَعَلُّقًا بِهِ حَتَّى يَقَعَ فِي زَمَانٍ دُونَ زَمَانٍ فَوَجَبَ اعْتِبَارُهُ عُمُومًا وَخُصُوصًا.
الشَّرْحُ:
وَعَلَى هَذَا فَقولهُمْ فِي قولهِ (أَنْتِ طَالِقٌ كُلَّمَا شِئْت لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا وَاحِدَةً بَعْدَ وَاحِدَةٍ) مَعْنَاهُ تُطَلِّقُ بِمُبَاشَرَةِ الشَّرْطِ تَجُوزُ بِالتَّطْلِيقِ عَنْهُ بِأَنْ تَقول: شِئْت طَلَاقِي أَوْ طَلَّقْت نَفْسِي فَيَقَعُ طَلَاقُهُ عِنْدَ تَحَقُّقِ الشَّرْطِ، وَإِنَّمَا يَصِحُّ كَلَامُهُمْ فِي قولهِ: طَلِّقِي نَفْسَك كُلَّمَا شِئْت.
قولهُ: (إلَّا أَنَّ التَّعْلِيقَ إلَخْ) جَوَابٌ عَنْ مُقَدَّرٍ هُوَ أَنَّ مُوجِبَ كُلَّمَا تَكْرَارُ الْأَفْعَالِ أَبَدًا، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهَا إذَا طَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا وَعَادَتْ إلَيْهِ بَعْدَ زَوْجٍ آخَرَ أَنْ تَمْلِكَ طَلَاقَهَا أَيْضًا وَلَيْسَ لَهَا ذَلِكَ.
أَجَابَ بِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ كَذَلِكَ لَكِنْ التَّفْوِيضُ إنَّمَا يَنْصَرِفُ إلَى الْمِلْكِ الْقَائِمِ لَا إلَى عَدَمِ الْمِلْكِ الَّذِي هُوَ مَعْنَى الْمِلْكِ الْمَعْدُومِ، فَلَوْ انْصَرَفَ إلَيْهِ انْصَرَفَ إلَى عَدَمِ الْمِلْكِ، فَإِذَا فُرِضَ أَنَّ الْمَمْلُوكَ قَدْرٌ مُعَيَّنٌ لَزِمَ أَنَّ بِاسْتِغْرَاقِهِ تَكْرَارًا يَنْتَهِي بِهِ التَّفْوِيضُ، وَذَلِكَ الْقَدْرُ هُوَ الثَّلَاثُ، فَلَوْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا وَاحِدَةً وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَتَزَوَّجَتْ بِآخَرَ وَعَادَتْ إلَى الْأَوَّلِ مَلَكَتْ ثَلَاثَ تَطْلِيقَاتٍ أَيْضًا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ فَإِنَّ عِنْدَهُ إنَّمَا تَمْلِكُ ثِنْتَيْنِ لِمَا عُرِفَ فِي مَسْأَلَةِ الْهَدْمِ.
قولهُ: (وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا ثَلَاثًا) بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّهَا لِعُمُومِ الِانْفِرَادِ لَا عُمُومِ الِاجْتِمَاعِ فَلَا تَمْلِكُ الْإِيقَاعَ جَمْعًا، وَعَلَى هَذَا لَا تُطَلِّقُ نَفْسَهَا ثِنْتَيْنِ، فَلَوْ طَلَّقَتْ ثَلَاثًا أَوْ ثِنْتَيْنِ وَقَعَ عِنْدَهُمَا وَاحِدَةً.
وَعِنْدَهُ لَا يَقَعُ شَيْءٌ بِنَاءً عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ إيقَاعَ الثَّلَاثِ إيقَاعُ الْوَاحِدَةِ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لَهُ.
قولهُ: (وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ حَيْثُ شِئْتِ أَوْ أَيْنَ شِئْتِ لَمْ تَطْلُقْ حَتَّى تَشَاءَ وَيَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ، وَلَوْ قَامَتْ مِنْهُ قَبْلَ الْمَشِيئَةِ فَلَا مَشِيئَةَ لَهَا لِأَنَّ كَلِمَةَ حَيْثُ وَأَيْنَ لِلْمَكَانِ وَالطَّلَاقُ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالْمَكَانِ فَيَلْغُو وَيَبْقَى ذِكْرُ مُطْلَقِ الْمَشِيئَةِ فَيَقْتَصِرُ عَلَى الْمَجْلِسِ) أَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ إذَا لَغَا الْمَكَانُ صَارَ أَنْتِ طَالِقٌ شِئْت، وَبِهِ يَقَعُ لِلْحَالِ كَقولهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ أُجِيبَ بِأَنَّهُ يُجْعَلُ الظَّرْفُ مَجَازًا عَنْ الشَّرْطِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُفِيدُ ضَرْبًا مِنْ التَّأْخِيرِ وَهُوَ خَيْرٌ مِنْ إلْغَائِهِ بِالْكُلِّيَّةِ فَأَوْرَدَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَبْطُلْ بِالْقِيَامِ وَفِي أَدَوَاتِهِ مَا لَا يَبْطُلُ بِهِ كَمَتَى، وَإِذَا أُجِيبَ بِأَنَّ الْحَمْلَ عَلَى إنْ أَوْلَى لِأَنَّهَا أُمُّ الْبَابِ وَصَرْفٌ لِشَرْطٍ وَفِيهِ يَبْطُلُ بِالْقِيَامِ.
وَاعْتَرَضَ فِي بَعْضِ شُرُوحِ الْمَنَارِ بِأَنَّهُ لَمَّا جُعِلَ مَجَازًا عَنْ الشَّرْطِ فَالشَّرْطُ الَّذِي فِيهِ مَعْنَى الْحَقِيقَةِ أَوْلَى انْتَهَى.
فَإِنْ أَرَادَ بِالْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ الزَّمَانَ كَمَتَى حَتَّى لَا يَخْرُجَ مِنْ يَدِهَا بَعْدَ الْمَجْلِسِ فَلَيْسَ مَعْنًى لِحَيْثُ وَأَيْنَ بَلْ مَعْنَاهُمَا الْمَكَانُ، وَإِنْ أَرَادَ مَعْنَى الظَّرْفِيَّةِ مُطْلَقًا فَلَيْسَ مَعْنَاهُمَا أَصْلًا، بَلْ اسْمُ الظَّرْفِ اصْطِلَاحٌ مَبْنِيٌّ عَلَى تَشْبِيهٍ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ بِالْأَوْعِيَةِ لِلْأَمْتِعَةِ وَهِيَ الظُّرُوفُ لُغَةً.
قولهُ: (فَوَجَبَ اعْتِبَارُهُ عُمُومًا) كَمَا فِي أَنْتِ طَالِقٌ فِي أَيِّ وَقْتٍ شِئْت (وَخُصُوصًا) فِي أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا.

متن الهداية:
(وَإِنْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ كَيْفَ شِئْت طَلُقَتْ تَطْلِيقَةً يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ) وَمَعْنَاهُ قَبْلَ الْمَشِيئَةِ، فَإِنْ قَالَتْ: قَدْ شِئْت وَاحِدَةً بَائِنَةً أَوْ ثَلَاثًا وَقَالَ الزَّوْجُ ذَلِكَ نَوَيْت فَهُوَ كَمَا قَالَ، لِأَنَّ عِنْدَ ذَلِكَ تَثْبُتُ الْمُطَابَقَةُ بَيْنَ مَشِيئَتِهَا وَإِرَادَتِهِ، أَمَّا إذَا أَرَادَتْ ثَلَاثًا وَالزَّوْجُ وَاحِدَةً بَائِنَةً أَوْ عَلَى الْقَلْبِ تَقَعُ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ لِأَنَّهُ لَغَا تَصَرُّفَهَا لِعَدَمِ الْمُوَافَقَةِ فَبَقِيَ إيقَاعُ الزَّوْجِ وَإِنْ لَمْ تَحْضُرْهُ النِّيَّةُ تُعْتَبَرُ مَشِيئَتُهَا فِيمَا قَالُوا جَرْيًا عَلَى مُوجِبِ التَّخْيِيرِ قَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَالَ فِي الْأَصْلِ هَذَا قول أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ (وَعِنْدَهُمَا لَا يَقَعُ مَا لَمْ تُوقِعْ الْمَرْأَةُ فَتَشَاءُ رَجْعِيَّةً أَوْ بَائِنَةً أَوْ ثَلَاثًا) وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْعَتَاقُ لَهُمَا أَنَّهُ فَوَّضَ التَّطْلِيقَ إلَيْهَا عَلَى أَيِّ صِفَةٍ شَاءَتْ فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْلِيقِ أَصْلِ الطَّلَاقِ بِمَشِيئَتِهَا لِتَكُونَ لَهَا الْمَشِيئَةُ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ: أَعْنِي قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ.
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ كَلِمَةَ كَيْفَ لِلِاسْتِيصَافِ، يُقَالُ كَيْفَ أَصْبَحْت وَالتَّفْوِيضُ فِي وَصْفِهِ يَسْتَدْعِي وُجُودَ أَصْلِهِ وَوُجُودَ الطَّلَاقِ بِوُقُوعِهِ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَلَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ كَيْفَ شِئْت طَلُقَتْ) إنْ كَانَتْ غَيْرَ مَدْخُولٍ بِهَا طَلْقَةً بَائِنَةً، وَخَرَجَ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا لِفَوَاتِ مَحَلِّيَّتِهَا بِعَدَمِ الْعِدَّةِ، وَإِنْ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا طَلُقَتْ طَلْقَةً رَجْعِيَّةً بِمُجَرَّدِ قولهِ ذَلِكَ شَاءَتْ أَوْ لَا، ثُمَّ إنْ قَالَتْ: شِئْت بَائِنَةً أَوْ ثَلَاثًا وَقَدْ نَوَى الزَّوْجُ ذَلِكَ تَصِيرُ كَذَلِكَ لِلْمُطَابَقَةِ، وَإِنْ اخْتَلَفَا بِأَنْ شَاءَتْ بَائِنَةً وَالزَّوْجُ ثَلَاثًا أَوْ عَلَى الْقَلْبِ فَهِيَ رَجْعِيَّةٌ لِأَنَّهُ لَغَتْ مَشِيئَتُهَا لِعَدَمِ الْمُوَافَقَةِ فَبَقِيَ إيقَاعُ الزَّوْجِ بِالصَّرِيحِ وَنِيَّتُهُ لَا تَعْمَلُ فِي جَعْلِهِ بَائِنًا وَلَا ثَلَاثًا، وَلَوْ لَمْ تَحْضُرْ الزَّوْجَ نِيَّةٌ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْأَصْلِ وَيَجِبُ أَنْ تُعْتَبَرَ مَشِيئَتُهَا، حَتَّى لَوْ شَاءَتْ ثَلَاثًا أَوْ بَائِنَةً وَلَمْ يَنْوِ الزَّوْجُ يَقَعُ مَا أَوْقَعَتْ بِالِاتِّفَاقِ عَلَى اخْتِلَافِ الْأَصْلَيْنِ.
أَمَّا عَلَى أَصْلِهِ فَلِأَنَّهُ أَقَامَهَا مَقَامَ نَفْسِهِ فِي إثْبَاتِ الْوَصْفِ لِأَنَّ كَيْفَ لِلْحَالِ، وَالزَّوْجُ لَوْ أَوْقَعَ رَجْعِيًّا يَمْلِكُ جَعْلَهُ بَائِنًا وَثَلَاثًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، فَكَذَا الْمَرْأَةُ عِنْدَ هَذَا التَّفْوِيضِ تَمْلِكُ جَعْلَ مَا وَقَعَ كَذَلِكَ، وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَكَذَلِكَ تَمْلِكُ إيقَاعَ الْبَائِنِ وَالثَّلَاثِ لِأَنَّهُ تَفْوِيضُ أَصْلِ الطَّلَاقِ إلَيْهَا عَلَى أَيِّ وَصْفٍ شَاءَتْ، كَذَا فِي الْكَافِي وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا مِنْ وُقُوعِ الرَّجْعِيَّةِ قَبْلَ مَشِيئَتِهَا قول أَبِي حَنِيفَةَ، أَمَّا عِنْدَهُمَا فَمَا لَمْ تَشَأْ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ أَنْتَ حُرٌّ كَيْفَ شِئْت يَقَعُ لِلْحَالِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْمَشِيئَةِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ أَصْلَ الطَّلَاقِ لَا يَتَعَلَّقُ بِمَشِيئَتِهَا عِنْدَهُ بَلْ بِصِفَتِهِ وَعِنْدَهُمَا يَتَعَلَّقَانِ مَعًا بِمَشِيئَتِهَا.
وَمَا قِيلَ: إنَّ الْعِتْقَ لَا كَيْفِيَّةَ لَهُ لِيَتَعَلَّقَ فَيَقَعُ أَلْبَتَّةَ يُوهِمُ عَدَمَ الْخِلَافِ أَوْ تَرْجِيحَ الْعِتْقِ بِذَلِكَ لَكِنَّ الثَّابِتَ مَا سَمِعْت مِنْ الْخِلَافِ وَعَدَمُ كَيْفِيَّةٍ زَائِدَةٍ عَلَى أَصْلِ الْعِتْقِ مَمْنُوعٌ بَلْ لَهُ كَيْفِيَّةٌ زَائِدَةٌ عَلَى ذَلِكَ مِنْ كَوْنِهِ مُعَلَّقًا وَمُنَجَّزًا عَلَى مَالٍ وَبِدُونِهِ عَلَى وَجْهِ التَّدْبِيرِ وَغَيْرِهِ مُطْلَقًا عَمَّا يَأْتِي مِنْ الزَّمَانِ وَمُقَيَّدًا بِهِ.
قولهُ: (فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْلِيقِ أَصْلِ الطَّلَاقِ بِمَشِيئَتِهَا) لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَتَعَلَّقْ أَصْلُهُ بِمَشِيئَتِهَا حَتَّى وَقَعَ دُونَهَا وَقَعَ مَوْصُوفًا أَلْبَتَّةَ ضَرُورَةَ عَدَمِ انْفِكَاكِ الذَّاتِ عَنْ الْوَصْفِ فَقَدْ ثَبَتَ وَصْفٌ لَا بِمَشِيئَتِهَا، وَقَدْ كَانَ كُلُّ وَصْفٍ بِمَشِيئَتِهَا هَذَا خُلْفًا، وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقول: حَقِيقَةُ قولهِ أَنْتِ طَالِقٌ تَنْجِيزٌ لِأَصْلِ الطَّلَاقِ جَاعِلًا صِفَتَهُ عَلَى مَشِيئَتِهَا، وَمِنْ ضَرُورَةِ إثْبَاتِ أَصْلِهِ وَصْفُ الرَّجْعَةِ فَكَانَ فِي نَفْسِ كَلَامِهِ هَذَا مُخَصِّصًا بَعْضَ الْأَوْصَافِ مِنْ عُمُومِهَا.
بَقِيَ أَيُّ الْأَمْرَيْنِ أَوْلَى؟ تَخْصِيصُ الْعَامِ لِلْمُحَافَظَةِ عَلَى حَقِيقَةِ اللَّفْظِ الَّتِي هِيَ تَنْجِيزُ أَصْلِ الطَّلَاقِ أَوْ اعْتِبَارُ أَصْلِهِ مُعَلَّقًا لِلْمُحَافَظَةِ عَلَى حَقِيقَةِ الْعُمُومِ؟ وَالنَّظَرُ فِي تَرْجِيحِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ تَخْصِيصَ الْعَامِّ أَغْلِبُ مِنْ اعْتِبَارِ الْمُنَجَّزِ مُعَلَّقًا لِأَنَّهُ لَا يَكَادُ يَثْبُتُ.
وَأَمَّا مَا رَجَّحَ بِهِ فِي الْكَافِي مِنْ أَنَّ بِتَقْدِيرِ قولهِمَا يَبْطُلُ الِاسْتِيصَافُ وَالْكَلَامُ يُحْمَلُ عَلَى التَّخْصِيصِ دُونَ التَّعْطِيلِ فَإِنَّمَا يَتِمُّ لَوْ كَانَ كَيْفَ فِي التَّرْكِيبِ لِلِاسْتِيصَافِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَعْنَى الِاسْتِخْبَارِ هُنَا غَيْرُ مُرَادٍ أَصْلًا، بَلْ تَرْكِيبُ كَيْفَ شِئْت مَجَازٌ عَنْ كُلِّ كَيْفِيَّةٍ شِئْتِهَا كَقولهِ تَعَالَى: {أَفَلَا يَنْظُرُونَ إلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ} أَيْ يَنْظُرُونَ إلَى كَيْفِيَّةِ خَلْقِهَا.
فَإِنْ قُلْت: فَلَوْ لَمْ يَعْتَبِرْ كَيْفَ شَرْطًا وَهُوَ أَحَدُ اسْتِعْمَالَيْهَا فَيَتَرَجَّحُ قولهُمَا لِأَنَّ تَعْلِيقَ أَصْلِ الطَّلَاقِ حِينَئِذٍ حَقِيقَةُ اللَّفْظِ.
فَالْجَوَابُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ شَرْطَ شَرْطِيَّتِهَا اتِّفَاقُ فِعْلَيْ الشَّرْطِ وَالْجَزَاءِ لَفْظًا وَمَعْنَى نَحْوُ كَيْفَ تَصْنَعْ أَصْنَعْ.
وَمَا قِيلَ فِي تَوْجِيهِ قولهِمَا أَنَّ غَيْرَ الْمَحْسُوسِ حَالُهُ وَأَصْلُهُ سَوَاءٌ بِنَاءً عَلَى امْتِنَاعِ قِيَامِ الْعَرْضِ بِالْعَرْضِ، فَلَيْسَ أَحَدُهُمَا قَائِمًا بِالْآخَرِ بَلْ كُلٌّ مِنْهُمَا يَقُومُ بِالْجِسْمِ فَلَزِمَ مِنْهُ كَوْنُ الطَّلَاقِ لَيْسَ مَوْجُودًا بِدُونِ الْكَيْفِيَّةِ بَلْ كُلٌّ مِنْ الطَّلَاقِ وَكَيْفِيَّتِهِ سَوَاءٌ فِي الْأَصْلِيَّةِ وَالْفَرْعِيَّةِ، فَإِذَا تَعَلَّقَ أَحَدُهُمَا بِمَشِيئَتِهَا تَعَلَّقَ الْآخَرُ، فَحَاصِلُهُ ذِكْرٌ مَبْنًى آخَرَ غَيْرِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ضَرُورِيَّةِ تَعَلُّقِ الْأَصْلِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَهُوَ ضَعِيفٌ إذْ الْمَبْنَى لَيْسَ إلَّا التَّلَازُمُ فَمَا يَثْبُتُ لِأَحَدِهِمَا يَثْبُتُ لِلْآخَرِ، وَلَا دَخْلَ لِامْتِنَاعِ قِيَامِ الْعَرْضِ بِالْعَرْضِ فِي ذَلِكَ فَالتَّقْرِيرُ مَا قَرَّرْنَاهُ.

متن الهداية:
(وَإِنْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ كَمْ شِئْت أَوْ مَا شِئْت طَلَّقَتْ نَفْسَهَا مَا شَاءَتْ) لِأَنَّهُمَا يُسْتَعْمَلَانِ لِلْعَدَدِ فَقَدْ فَوَّضَ إلَيْهَا أَيَّ عَدَدٍ شَاءَتْ (فَإِنْ قَامَتْ مِنْ الْمَجْلِسِ بَطَلَ، وَإِنْ رَدَّتْ الْأَمْرَ كَانَ رَدًّا) لِأَنَّ هَذَا أَمْرٌ وَاحِدٌ وَهُوَ خِطَابٌ فِي الْحَالِ فَيَقْتَضِي الْجَوَابَ فِي الْحَالِ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَلَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ كَمْ شِئْت أَوْ مَا شِئْت طَلَّقَتْ نَفْسَهَا مَا شَاءَتْ) وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، وَيَتَعَلَّقُ أَصْلُ الطَّلَاقِ بِمَشِيئَتِهَا بِالِاتِّفَاقِ، بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ كَيْفَ شِئْت عَلَى قولهِ، وَهَذَا لِأَنَّ كَمْ اسْمٌ لِلْعَدَدِ فَكَانَ التَّفْوِيضُ فِي نَفْسِ الْعَدَدِ وَالْوَاقِعُ لَيْسَ إلَّا الْعَدَدَ إذْ ذُكِرَ فَصَارَ التَّفْوِيضُ فِي نَفْسِ الْوَاقِعِ فَلَا يَقَعُ شَيْءٌ مَا لَمْ تَشَأْ.
وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يُبَاحُ لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا ثَلَاثًا كَمَا لَا يُبَاحُ لِلزَّوْجِ لَكِنْ رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُبَاحُ لَهَا فِي التَّخْيِيرِ.
وَوَجْهُهُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ.
قَالَ: لَوْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا عَلَى قولهِمَا أَوْ ثِنْتَيْنِ عَلَى قول أَبِي حَنِيفَةَ لَا يُكْرَهُ لِأَنَّهَا مُضْطَرَّةٌ إلَى ذَلِكَ لِأَنَّهَا لَوْ فَرَّقَتْ خَرَجَ الْأَمْرُ مِنْ يَدهَا، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَوْقَعَ الزَّوْجُ ذَلِكَ، وَعَلَى هَذَا فَمَا فِي أَصْلِ رِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ قولهِ إنْ شَاءَتْ طَلَّقَتْ نَفْسَهَا وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا مَا لَمْ تَقُمْ مِنْ مَجْلِسِهَا لَا يَحْتَاجُ إلَى حَمْلِهِ عَلَى مَشِيئَةِ الْقُدْرَةِ لَا مَشِيئَةِ الْإِبَاحَةِ، ثُمَّ الْوَاحِدُ عَدَدٌ عَلَى اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ لِمَا تَكَرَّرَ مِنْ إطْلَاقِ الْعَدَدِ وَإِرَادَتِهِ وَمَا شِئْت تَعْمِيمُ الْعَدَدِ فَتَقْرِيرُهُ تَقْرِيرُهُ.
وَأَوْرَدَ أَنَّ كَلِمَةَ مَا كَمَا تُسْتَعْمَلُ لِلْعَدَدِ تُسْتَعْمَلُ لِلْوَقْتِ نَحْوُ مَا دَامَ فَوَقَعَ الشَّكُّ فِي تَفْوِيضِ الْعَدَدِ فَلَا يَثْبُتُ.
أُجِيبَ بِأَنَّهُ مُعَارَضٌ بِالْمِثْلِ بِأَنْ يُقَالَ لَوْ أَعْمَلْنَاهَا بِمَعْنَى لِوَقْتٍ لَا يَبْطُلُ بِالْقِيَامِ عَنْ الْمَجْلِسِ، وَلَوْ أَعْمَلْنَاهَا بِمَعْنَى الْعَدَدِ يَبْطُلُ فَوَقَعَ الشَّكُّ فِي ثُبُوتِهِ فِيمَا وَرَاءَ الْمَجْلِسِ، فَلَا يَثْبُتُ فِيهِ بِالشَّكِّ فَتَعَارَضَا، وَتَرَجَّحَ اعْتِبَارُهَا لِلْعَدَدِ بِأَنَّ التَّفْوِيضَ تَمْلِيكٌ مُقْتَصِرٌ عَلَى الْمَجْلِسِ مَا لَمْ يَكُنْ مُوَقَّتًا، وَإِنَّمَا يَكُونُ لَوْ كَانَتْ مُعْتَبَرَةً بِمَعْنَى الْعَدَدِ وَلِأَنَّهُ الْمُتَبَادِرُ مِنْ ذَلِكَ، بِخِلَافِ الزَّمَانِ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَتَبَادَرُ حَالَةَ وَصْلِهَا بِدَامَ ثُمَّ (إنْ رَدَّتْ الْأَمْرَ) بِأَنْ قَالَتْ: لَا أُطَلِّقُ (كَانَ رَدًّا) لِأَنَّ هَذَا أَمْرٌ وَاحِدٌ بِخِلَافِهِ بِكُلَّمَا.
وَقولهُ (خِطَابٌ فِي الْحَالِ) احْتِرَازٌ عَنْ إذَا وَمَتَى: يَعْنِي هَذَا تَمْلِيكٌ مُنَجَّزٌ غَيْرُ مُضَافٍ إلَى وَقْتٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَاقْتَضَى جَوَابًا فِي الْحَالِ.

متن الهداية:
(وَإِنْ قَالَ لَهَا: طَلِّقِي نَفْسَك مِنْ ثَلَاثٍ مَا شِئْت فَلَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَيْنِ وَلَا تُطَلِّقَ ثَلَاثًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَقَالَا: تُطَلِّقُ ثَلَاثًا إنْ شَاءَتْ) لِأَنَّ كَلِمَةَ مَا مُحْكَمَةٌ فِي التَّعْمِيمِ وَكَلِمَةَ مَنْ قَدْ تُسْتَعْمَلُ لِتَمْيِيزٍ فَحُمِلَ عَلَى تَمْيِيزِ الْجِنْسِ، كَمَا إذَا قَالَ: كُلْ مِنْ طَعَامِي مَا شِئْت أَوْ طَلِّقْ مِنْ نِسَائِي مَنْ شَاءَتْ.
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ كَلِمَةَ مِنْ حَقِيقَةٌ لِلتَّبْعِيضِ وَمَا لِلتَّعْمِيمِ فَعُمِلَ بِهِمَا، وَفِيمَا اسْتَشْهَدَا بِهِ تَرْكُ التَّبْعِيضِ بِدَلَالَةِ إظْهَارِ السَّمَاحَةِ أَوْ لِعُمُومِ الصِّفَةِ وَهِيَ الْمَشِيئَةُ، حَتَّى لَوْ قَالَ: مَنْ شِئْت كَانَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَإِنْ قَالَ لَهَا: طَلِّقِي نَفْسَك مِنْ ثَلَاثٍ مَا شِئْت فَلَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا وَاحِدَةً وَثِنْتَيْنِ) بِالِاتِّفَاقِ.
وَاخْتَلَفُوا فِي الثَّلَاثِ فَلَا تَطْلُقُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ثَلَاثًا، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ.
وَتَطْلُقُ عِنْدَهُمَا إنْ شَاءَتْ (لِأَنَّ كَلِمَةَ مَا مُحْكَمَةٌ فِي الْعُمُومِ وَكَلِمَةُ مِنْ قَدْ تُسْتَعْمَلُ لِلتَّمْيِيزِ) أَيْ لِلْبَيَانِ كَمَا فِي قوله تَعَالَى: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنْ الْأَوْثَانِ} وَغَيْرُهُ صِلَةٌ {لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ} وَتَبْعِيضًا نَحْوُ أَكَلْت مِنْ الرَّغِيفِ (فَيُحْمَلُ عَلَى تَمْيِيزِ الْجِنْسِ) مُحَافَظَةً عَلَى عُمُومِ مَا: أَيْ بَيَانُ الْجِنْسِ؛ بِخِلَافِ مَا لَوْ حُمِلَتْ عَلَى التَّبْعِيضِ: يَعْنِي فَيَكُونُ بَيَانُ أَنَّ الْمُرَادَ الثَّلَاثُ مِنْ الطَّلَاقِ دُونَ سَائِرِ الْأَعْدَادِ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ لَا يُتَصَوَّرُ فِي الطَّلَاقِ عَدَدٌ إلَّا الثَّلَاثُ فَذَاكَ شَرْعًا، أَمَّا فِي الْإِمْكَانِ فَيُمْكِنُ أَنْ تَطْلُقَ عِشْرِينَ وَمِائَةً وَغَيْرَهُمَا وَإِنْ كَانَ حُكْمُهُ فِي الشَّرْعِ الْمَنْعَ، فَالْمَعْنَى طَلِّقِي نَفْسَك الْعَدَدَ الَّذِي هُوَ الثَّلَاثُ دُونَ سَائِرِ الْأَعْدَادِ.
وَعَلَى قولهِمَا يَكُونُ التَّفْوِيضُ فِي الثَّلَاثِ خَاصَّةً فَصِحَّةُ تَطْلِيقِهَا وَاحِدَةً بِاعْتِبَارِ مِلْكِهَا مَا دَخَلَتْ فِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا (كَمَا لَوْ قَالَ: كُلْ مِنْ طَعَامِي مَا شِئْت) لَهُ أَكْلُ الْكُلِّ (وَطَلِّقْ مِنْ نِسَائِي مَنْ شَاءَتْ) فَشِئْنَ كُلُّهُنَّ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهُنَّ، بِخِلَافِ مَا إذَا حَمَلْنَاهَا عَلَى التَّبْعِيضِ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَبْطُلُ عُمُومُ مَا (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ كَلِمَةَ مِنْ حَقِيقَةٌ فِي التَّبْعِيضِ) إذَا دَخَلَ عَلَى ذِي أَبْعَاضٍ وَالطَّلَاقُ مِنْهُ (وَمَا لِلتَّعْمِيمِ فَيُعْمَلُ بِهِمَا) بِمِنْ فِي مَعْنَاهَا فِي مِثْلِهِ وَبِمَا فِي عُمُومٍ مَخْصُوصٍ ضَرُورَةُ إعْمَالِ مِنْ فِي مَعْنَاهَا فِي مِثْلِهِ، بِخِلَافِ حَمْلِ مِنْ عَلَى الْبَيَانِ فَإِنَّ ضَابِطَهُ صِحَّةُ وَضْعِ الَّذِي مَكَانَهَا وَوَصْلُهُ بِمَدْخُولِهَا مَعَ ضَمِيرٍ مُنْفَصِلٍ، مِثَاله: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنْ الْأَوْثَانِ}: أَيْ الرِّجْسَ الَّذِي هُوَ الْأَوْثَانُ، وَلَا يَحْسُنُ هُنَا طَلِّقِي نَفْسَك مَا شِئْت الَّذِي هُوَ الثَّلَاثُ، فَإِنَّ مَا مَوْصُولُ مَعْرِفَةٍ فَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ مَوْصُوفِهَا مَعْرِفَةً وَهُوَ هُنَا الْعَدَدُ فَانْحَلَّ إلَى طَلِّقِي نَفْسَك الْعَدَدَ الَّذِي شِئْتِهِ الَّذِي هُوَ الثَّلَاثُ وَيَسْتَلْزِمُ سَبْقَ الْعَهْدِ بِالْعَدَدِ الَّذِي شَاءَتْهُ أَوْ تَشَاؤُهُ وَأَنَّهُ هُوَ الثَّلَاثُ فَيَكُونُ التَّفْوِيضُ ابْتِدَاءً إنَّمَا هُوَ فِي الثَّلَاثِ، وَإِنَّمَا تَمْلِكُ أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا وَاحِدَةً لِأَنَّهَا جُزْءُ مَا مَلَكْتَهُ بِالتَّفْوِيضِ كَقولهِ طَلِّقِي نَفْسَك ثَلَاثًا لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ وَاحِدَةً، وَلَيْسَ الْمَعْنَى عَلَى هَذَا بِخِلَافِ التَّبْعِيضِ حَيْثُ لَا يَسْتَلْزِمُ نَبْوَةً إذْ الْمَعْنَى طَلِّقِي نَفْسَك عَدَدًا شِئْتِهِ، عَلَى أَنَّ مَا نَكِرَةٌ مَوْصُوفَةٌ، فَالْجُمْلَةُ وَالْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ الضَّمِيرِ الرَّابِطِ الْمَحْذُوفِ قَيْدٌ فِي الْعَدَدِ مُزِيلٌ مِنْ إبْهَامِهِ.
فُرُوعٌ:
قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا أَنْ تَشَائِي وَاحِدَةً فَشَاءَتْ وَاحِدَةً طَلُقَتْ وَاحِدَةً.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَقَعُ شَيْءٌ لِأَنَّ مَعْنَاهُ إنْ لَمْ تَشَائِي وَاحِدَةً فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا، فَإِذَا شَاءَتْ وَاحِدَةً لَا يَقَعُ شَيْءٌ.
وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ أَثْبَتَ لَهَا مَشِيئَةَ الْوَاحِدَةِ فَإِذَا شَاءَتْهَا تَقَعُ.
وَلَوْ قَالَ: طَلِّقْهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ وَشِئْت وَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَفُلَانٌ أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ وَفُلَانٌ لَا يَقَعُ بِالْمَشِيئَةِ مِنْ فُلَانٍ شَيْءٌ لِأَنَّهُ عَطْفٌ عَلَى بَاطِلٍ فَيَبْطُلُ، وَلَوْ قَالَ حِينَ شِئْت فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ قولهِ طَلِّقْهَا إذَا أَوْ مَتَى شِئْت لِأَنَّ حِينَ لِلْوَقْتِ.
وَلَوْ قَالَ: إنْ شِئْت فَأَنْتِ طَالِقٌ إذَا شِئْت أَوْ مَتَى شِئْت فَلَهَا مَشِيئَتَانِ مَشِيئَةٌ فِي الْحَالِ وَمَشِيئَةٌ فِي عُمُومِ الْأَحْوَالِ، لِأَنَّهُ عَلَّقَ بِمَشِيئَتِهَا فِي الْحَالِ طَلَاقًا مُعَلَّقًا بِمَشِيئَتِهَا فِي أَيِّ وَقْتٍ شَاءَتْ، فَإِذَا شَاءَتْ فِي الْمَجْلِسِ صَارَ كَأَنَّهُ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إذَا شِئْت لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ كَالْمُرْسَلِ عِنْدَ الشَّرْطِ.
وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ: إذَا شِئْتُمَا فَأَنْتُمَا طَالِقَانِ فَشَاءَتْ إحْدَاهُمَا أَوْ شَاءَتَا طَلَاقَ إحْدَاهُمَا لَا يَقَعُ لِأَنَّ الشَّرْطَ مَشِيئَتُهُمَا طَلَاقَهُمَا وَلَمْ يُوجَدْ.
وَلَوْ قَالَ لِاثْنَيْنِ إنْ شِئْتُمَا فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَشَاءَ أَحَدُهُمَا وَاحِدَةً وَالْآخِرُ ثِنْتَيْنِ لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ، لِأَنَّ الشَّرْطَ مَشِيئَتُهُمَا الثَّلَاثَ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ لَهُمَا طَلِّقَاهَا ثَلَاثًا فَطَلَّقَهَا أَحَدُهُمَا وَاحِدَةً وَالْآخَرُ ثِنْتَيْنِ وَقَعَ الثَّلَاثُ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يَنْفَرِدُ بِإِيقَاعِ الثَّلَاثِ فَيَصِحُّ إيقَاعُهُ لِبَعْضِهَا.
وَلَوْ قَالَ: إنْ شِئْت فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ قَالَ لِأُخْرَى طَلَاقُك مَعَ طَلَاقِ هَذِهِ وَقَعَ عَلَيْهِمَا بِمَشِيئَةِ الْأُولَى إنْ نَوَى الزَّوْجُ وَإِلَّا فَلَا، لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ طَلَاقُك مَعَ طَلَاقِ هَذِهِ فِي الْوُقُوعِ وَيَحْتَمِلُ فِي الْمِلْكِ: أَيْ كِلَاهُمَا مَمْلُوكَانِ لِي فَأَيُّهُمَا نَوَى صَدَقَ.
وَلَوْ قَالَ: طَالِقٌ إنْ شِئْت وَأَبَيْت أَوْ إنْ شِئْت وَلَمْ تَشَائِي لَمْ تَطْلُقْ أَبَدًا لِأَنَّهُ جَعَلَ الْمَشِيئَةَ وَالْإِبَاءَ شَرْطًا وَاحِدًا وَلَا يُمْكِنُ اجْتِمَاعُهُمَا.
وَلَوْ قَالَ: إنْ شِئْت وَإِنْ لَمْ تَشَائِي فَشَاءَتْ فِي الْمَجْلِسِ طَلُقَتْ، وَلَوْ قَامَتْ بِلَا مَشِيئَةٍ تَطْلُقُ أَيْضًا كَمَا لَوْ قَالَ: إنْ دَخَلَتْ أَوْ لَمْ تَدْخُلِي.
أَمَّا لَوْ أَخَّرَ الطَّلَاقَ فَقَالَ إنْ شِئْت وَإِنْ لَمْ تَشَائِي فَأَنْتَ طَالِقٌ لَا تَطْلُقُ أَبَدًا.
وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْت وَإِنْ أَبَيْت، فَإِنْ شَاءَتْ يَقَعُ وَإِنْ أَبَتْ يَقَعُ، وَإِنْ سَكَتَتْ حَتَّى قَامَتْ مِنْ الْمَجْلِسِ لَا يَقَعُ.
وَكَذَا إنْ شِئْت أَوْ أَبَيْت.
وَفِي طَالِقٍ إنْ أَبَيْت أَوْ كَرِهْت طَلَاقَك فَقَالَتْ: أَبَيْت تَطْلُقُ.
وَلَوْ قَالَ: إنْ لَمْ تَشَائِي طَلَاقَك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَالَتْ: لَا أَشَاءُ لَا تَطْلُقُ لِأَنَّ لَفْظَ أَبَيْت لِإِيجَادِ الْفِعْلِ الَّذِي هُوَ الْإِبَاءُ وَقَدْ وُجِدَ، وَأَمَّا لَفْظُ لَمْ تَشَائِي فَلِلْعَدَمِ لَا لِلْإِيجَادِ وَعَدَمُ الْمَشِيئَةِ لَا يَتَحَقَّقُ بِقولهَا لَا أَشَاءُ لِأَنَّ لَهَا أَنْ تَشَاءَ مِنْ بَعْدُ وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِالْمَوْتِ وَفِي أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً إنْ شِئْت فَقَالَتْ: شِئْت نِصْفَ وَاحِدَةٍ لَمْ تَطْلُقْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ.
وَلَوْ قَالَ لَهَا: طَلِّقِي نَفْسَك وَقَالَ لَهَا آخَرُ أَعْتِقِي عَبْدَك فَبَدَأَتْ بِعِتْقِ الْعَبْدِ خَرَجَ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا، وَلَوْ كَانَ الْآمِرُ بِالْعِتْقِ زَوْجَهَا فَبَدَأَتْ بِالْعِتْقِ لَا يَبْطُلُ خِيَارُهَا فِي الطَّلَاقِ.
وَعَنْهُ لَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْت لِلسُّنَّةِ وَاحِدَةً فَلَهَا الْمَشِيئَةُ السَّاعَةَ لَا عِنْدَ الطُّهْرِ، فَإِنْ شَاءَتْ السَّاعَةَ وَقَعَتْ عِنْدَ الطُّهْرِ.
وَعَلَى قِيَاسِ قول أَبِي حَنِيفَةَ إنْ كَانَتْ حَائِضًا فَلَهَا الْمَشِيئَةُ حِينَ تَطْهُرُ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي بَابِ الْمَشِيئَةِ مِنْ طَلَاقِ الْأَصْلِ لَوْ قَالَ: إنْ شِئْت فَأَنْتِ طَالِقٌ غَدًا فَالْمَشِيئَةُ إلَيْهَا لِلْحَالِ، بِخِلَافِ أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا إنْ شِئْت فَإِنَّ الْمَشِيئَةَ إلَيْهَا فِي الْغَدِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: الْمَشِيئَةُ إلَيْهَا فِي الْغَدِ فِي الْفَصْلَيْنِ.
وَقَالَ زُفَرُ: الْمَشِيئَةُ لِلْحَالِ فِيهِمَا.
وَذَكَرَ فِي الْأَمَالِي الْخِلَافَ بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ عَلَى الْعَكْسِ.
وَفِي الْمُنْتَقَى بِرِوَايَةِ بِشْرٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا إنْ شِئْت أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْت غَدًا لَهَا الْمَشِيئَةُ غَدًا وَقَالَا: إنْ قَدَّمَ الْمَشِيئَةَ عَلَى الْغَدِ فَلَهَا الْمَشِيئَةُ لِلْحَالِ، وَإِنْ أَخَّرَهَا فَلَهَا الْمَشِيئَةُ غَدًا.
وَفَرَّعَ عَلَى هَذَا لَوْ قَالَ: اخْتَارِي غَدًا إنْ شِئْت أَوْ اخْتَارِي إنْ شِئْت غَدًا، أَوْ أَمْرُك بِيَدِك غَدًا إنْ شِئْت أَوْ أَمْرُك بِيَدِك إنْ شِئْت غَدًا فَالْمَشِيئَةُ فِي الْغَدِ فِي الْحَالَيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَكَذَا إذَا قَالَ: طَلِّقِي نَفْسَك غَدًا إنْ شِئْت أَوْ طَلِّقِي نَفْسَك إنْ شِئْت غَدًا أَوْ إنْ شِئْت فَطَلِّقِي نَفْسَك غَدًا لَمْ يَكُنْ لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا إلَّا فِي الْغَدِ عِنْدَهُ، وَقَالَا: إنْ قَدَّمَ الْمَشِيئَةَ فَلَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا فَتَقول فِي الْحَالِ طَلَّقْت نَفْسِي غَدًا.
وَالْمَذْكُورُ فِي الْكَافِي وَشَرْحِ الصَّدْرِ الشَّهِيدِ أَنْتِ غَدًا طَالِقٌ إنْ شِئْت فَقَالَتْ: السَّاعَةَ شِئْت كَانَ بَاطِلًا، إنَّمَا لَهَا الْمَشِيئَةُ فِي الْغَدِ، بِخِلَافِ قولهِ إنْ شِئْت فَأَنْتِ طَالِقٌ غَدًا فَإِنَّ لَهَا الْمَشِيئَةَ فِي مَجْلِسِهَا لِأَنَّ فِي الثَّانِي عَلَّقَ بِالْمَشِيئَةِ طَلَاقًا مُضَافًا إلَى غَدٍ.
وَلَوْ عَلَّقَ بِالْمَشِيئَةِ طَلَاقًا مُنَجَّزًا تُعْتَبَرُ الْمَشِيئَةُ حَالًا حَتَّى لَوْ قَامَتْ بَطَلَتْ مَشِيئَتُهَا، فَكَذَا إذَا عَلَّقَ بِهَا طَلَاقًا مُضَافًا.
وَفِي الْأَوَّلِ بَدَأَ بِإِضَافَةِ الطَّلَاقِ إلَى الْغَدِ ثُمَّ جَعَلَ ذَلِكَ مُعَلَّقًا بِمَشِيئَتِهَا فَتُرَاعَى الْمَشِيئَةُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ.
وَرَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ فِي الْفَصْلَيْنِ تُرَاعَى الْمَشِيئَةُ فِي غَدٍ وَعِنْدَ زُفَرَ تُعْتَبَرُ الْمَشِيئَةُ فِيهِمَا حَالًا وَلَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ إذَا شِئْت إنْ شِئْت أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْت إذَا شِئْت فَهُمَا سَوَاءٌ تُطَلِّقُ نَفْسَهَا مَتَى شَاءَتْ.
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إنْ أَخَّرَ قولهُ إنْ شِئْت فَكَذَلِكَ وَإِنْ قَدَّمَهُ تُعْتَبَرُ الْمَشِيئَةُ فِي الْحَالِ، فَإِنْ شَاءَتْ فِي الْمَجْلِسِ تُطَلِّقُ نَفْسَهَا بَعْدَ ذَلِكَ إذَا شَاءَتْ.
وَلَوْ قَامَتْ مِنْ الْمَجْلِسِ قَبْلَ أَنْ تَقول شَيْئًا بَطَلَ.
وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فِيمَا قَدَّمْنَا مِنْ أَنَّ إنْ شِئْت فَأَنْتِ طَالِقٌ إذَا شِئْت هُنَا مَشِيئَتَانِ الْأُولَى عَلَى الْمَجْلِسِ وَالْأُخْرَى مُطَلَّقَةٌ إلَيْهَا مُعَلَّقَةٌ بِالْمُؤَقَّتَةِ، فَمَتَى شَاءَتْ بَعْدَ هَذَا طَلُقَتْ، قَالَ: وَإِنْ لَمْ تَقُلْ شِئْت حَتَّى قَامَتْ مِنْ الْمَجْلِسِ فَلَا مَشِيئَةَ لَهَا، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَقول: إنْ شِئْت السَّاعَةَ أَوْ لَمْ يَذْكُرْ السَّاعَةَ.
وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ وَطَالِقٌ إنْ شَاءَ زَيْدٌ فَقَالَ زَيْدٌ: شِئْت وَاحِدَةً لَا يَقَعُ شَيْءٌ لِأَنَّهُ مَا شَاءَ الثَّلَاثَ، وَكَذَا لَوْ قَالَ: شِئْت أَرْبَعًا.
وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْت وَاحِدَةً وَإِنْ شِئْت اثْنَتَيْنِ فَقَالَتْ: شِئْت وَقَعَ الثَّلَاثُ.
وَلَوْ قَالَ: اُخْرُجِي إنْ شِئْت يَنْوِي بِهِ الطَّلَاقَ فَشَاءَتْ وَلَمْ تَخْرُجْ وَقَعَ نَظِيرُهُ قَالَتْ لِزَوْجِهَا: طَلِّقْنِي وَطَلِّقْنِي وَطَلِّقْنِي فَقَالَ الزَّوْجُ: طَلَّقْت فَهِيَ ثَلَاثٌ.
وَلَوْ قَالَتْ: طَلِّقْنِي طَلِّقْنِي طَلِّقْنِي بِلَا وَاوٍ فَطَلَّقَ، فَإِنْ نَوَى وَاحِدَةً فَهِيَ وَاحِدَةٌ وَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا فَثَلَاثٌ.
وَلَوْ قَالَتْ لِزَوْجِهَا: أُرِيدُ أَنْ أُطَلِّقَ نَفْسِي؟ فَقَالَ الزَّوْجُ: نَعَمْ فَقَالَتْ: طَلَّقْت يُنْظَرُ إنْ نَوَى الزَّوْجُ التَّفْوِيضَ وَقَعَ وَإِنْ نَوَى الرَّدَّ: يَعْنِي طَلِّقِي إنْ اسْتَطَعْت لَا يَقَعُ.